علي حسين
كنت أنوي الكتابة عن خبر مثير حدث في بلاد السودان حيث أصدرت إحدى المحاكم حكما، بإعدام 29 شخصا من عناصر جهاز الأمن والمخابرات الوطني، بعد إدانتهم في اتهامات بتعذيب وقتل أحد المتظاهرين..
لماذا الخبر مثير؟، لأنني أنتمي إلى بلاد قتل فيها أكثر من 500 متظاهر دون أن يقدم مذنب واحد إلى المحاكمة، بل حدث العكس، حيث أن المتظاهرين أحياء وقتلى متهمون بأنهم ينفذون أجندة خارجية.. تخيل جنابك استنفرت دولتنا "المحترمة" كل أجهزتها الإعلامية والأمنية لكشف جريمة "الوثبة"، بينما صمتت على جريمة السنك والخلاني.
في كل مرة تضعنا الحكومة وأجهزتها أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التسبيح بحمد "ساسة الصدفة" أو وضعنا في خانة أعوان ترامب !!، ربما يقول البعض: يا رجل هل أنت سعيد بما تفعله أميركا؟.. ياسادة أنا ومعي ملايين العراقيين لم نطالب الأميركان بغزو بلادنا، ولم نرحب بهم.. الذين ملأت الفرحة وجوههم هم الذين استقبلوا جورج بوش بالأحضان والابتسامات ، ومنحوا رامسفيلد سيفا ذهبيا.. بالامس وبينما أقرأ بيانات الحكومة ومجلس النواب وهي تطالب بقطع رقبة ترامب، تذكرت لافتة رفعها أحد المتظاهرين في واحدة من جُمع الاحتجاجات التي قمعتها الحكومة، فقد اكتشف الرجل أن أميركا خدعته بمشروعها الديمقراطي حين سلمت البلاد لأناس يتحسسون سلاحهم كلما سمعوا كلمة ثقافة فكتب ثلاث كلمات اختصر فيها كل معاناته وكانت: "طاح حظك أمريكا".
اليوم أردد مع المتظاهر المسكين "طاح حظك أمريكا" ثانيا وثالثا ورابعا وإلى ما لانهاية لأنها سلمت البلاد إلى سياسيين البعض منهم يمزج الكوميديا بالسياسة، وآخرون حفروا أسماءهم بحروف من نور في سجل التصريحات الغريبة والمثيرة، يحتاج المرء ليكون ساذجا تماما وربما غبيا لأقصى درجة ليصدق "الأسطوانة المشروخة" التي يرددها البعض عن طرد الأميركان من العراق، فالناس تدرك جيدا أن معظم ساستنا لا ينامون قبل أن يطمئنوا على رضا السفير الأميركي.. ولهذا أخشى لو أن أحدا قرأ تصريح بعض ساستنا فسوف يتصور أن الحكومة ستتوقف عن إنتاج حلقات البرنامج المثير من سيربح كرسي رئيس الوزراء، وستعلن الحرب على أميركا.
سيقول البعض: ماذا تريدُ أن تقول؟، هل نصفّق للمحتل الأميركي وهو يقصف بطائراته مواقع عراقية؟، لا ياسادة فالذين صفقوا للأميركان عام 2003، هم لاغيرهم من يشتمون الأميركان اليوم في الفضائيات، ولا تصدقوا أنها صحوة ضمير، بل تغيير في بوصلة المصالح.
لذلك يبدو غريبا أن تراق دماء نحو 500 متظاهر دون أن تهتز مشاعر الحكومة، على الرغم من بشاعة القتلة، وكأن الدم صار له أكثر من معيار.
إن الصمت على الأرواح التى أزهقت فى ساحات الاحتجاج ، وعدم تقديم الجناة إلى العدالة، عار يلحق بالحكومة ومجلس النواب.