إياد الصالحي
لم يهدأ الحراك الاِصلاحي لمجموعة من لاعبي المنتخبات الوطنية السابقة لتغيير منظومة الكرة العراقية حسب ما يدعون وفقاً لنظام داخلي جديد تتمّ كتابة مواده بنزاهة ليشمل عموم المرشحين ممّن تنطبق عليهم الضوابط ولا يقصي أحداً بذريعة معارضته أو تأزّم علاقاته ، فصندوق الانتخاب كفيل بترجيح الأفضل وليس التكتّل أو التلاعب والتزوير.
واهمٌ من يعتقد أن اتحاد كرة القدم عمل باستقلالية تامة عن محيط السياسة العامة في البلاد ما بعد عام 2003 والتي فرضت عليه بعض الخيارات التي كَرّستْ بدعة التكتُّل بمفهوم التمييز في عمل يفترض أن يخدم مصلحة المنضوين إليه من جميع الشرائح المهنية وليست المناطقية والتحزّب الاجتماعي الذي لم يعرفه العراق طوال أنظمته الحاكمة منذ ترسيم حدود دولته الحديثة عام 1920 من قبل عصبة الأمم حتى إدارته الحالية بنظام جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي.
ولهذا مَن حضر مؤتمر انتخاب أول مجلس شرعي لإدارة اتحاد كرة القدم برئاسة حسين سعيد في مؤتمر نادي الصيد ببغداد يوم الأحد السابع والعشرين من حزيران عام 2004 يدرك مغزى انسحاب الخماسي الراحل عبد كاظم و رعد حمودي واحمد راضي وعبدالسلام الكعود وسمير كاظم من القاعة متهمين سعيداً بأن التخطيط وراء الكواليس عِبر تكتُّل متفق عليه قد غيّب تمثيل الأندية الجماهيرية في إدارة اللعبة ولم يوسِّع الهيئة العامة من 56 إلى 150 عضواً ، وأن الانتخابات حُسمت سلفاً بغياب أصحاب الخبرة وإجراءاتها افتقدت للنزاهة ولم تكن قانونية ، فيما ردّ حسين سعيد بعبارة واحدة "أن شرعيتنا مكتسبة من ثقة الناخبين".
توالت مجالس إدارة عدّة لقيادة اتحاد كرة القدم بعد مؤتمر الصيد ، كلّها شكَتْ من تكتُّل الرئيس مع الأعضاء في تحالف مصلحي لم يستهدف تطوير اللعبة ومفاصلها المؤثرة ، بل تعميق سُبل التشبّث بالمواقع من دورة الى أخرى ما سبّب بنفور عدة شخصيات كروية من لاعبين ومدربين وإداريين وروّاد عاصروا تأريخ الأندية والمنتخبات ولم يروا في حياتهم معارضة واسعة وحرب شرسة ضد اساليب إدارة الاتحاد بمثل ما واجهها حسين سعيد وناجح حمود وعبدالخالق مسعود ، ووصل الأمر الى رفع أكثر من دعوى قضائية تدين بعض العاملين في الاتحاد بالخروق المالية كما حصل في قضية مستحقات المدرب زيكو عام 2012 ، وتزوير في أعمار لاعبي المنتخبات ، وحل الاتحاد الأسبق بقرار محكمة التحكيم الرياضي (كاس) عام 2013 ، وأزمة الهدر المالي في ميزانية بعثة خليجي21 ، والتلاعب بالنظام الداخلي للاتحاد عام2017 وآخرها سجن موظفين في الاتحاد العام الفائت بحكم قضائي ذي علاقة بانتخابات أيار 2018.
والحبل على الجرار كما يقال ، فالعام الحالي 2020 مأزوم بملفات شائكة بانتظار الحل القانوني وليس مستبعداً أن ينال أي مقصّر العقاب المستحق إذا ما أدانه القضاء وفقاً للأدلة الدامغة ، لكن ماذا عن مصير كرة القدم ، هل تبقى رهينة مزاج من يتولى قيادتها ويتحكّم بشؤون لجانها؟ وقبل ذلك هل سيجد الاتحاد نظاماً داخلياً يُجيب عن أسئلة مؤجّلة من عام 2004 وأبرزها: لماذا يتم حرمان نجومها ممّن تسلّحوا بالشهادة العلمية والخبرة الإدارية والعلاقات الدولية الواسعة والمكانة الجماهيرية الطيبة والتأريخ النظيف من مسك ورقة الترشيح بشفافية غير مقيّدة بمكر انتخابات أيار 2018؟ معلوم أنَّ الفائزين أنفسهم ضمنوا التثنيات المطلوبة التي استنفدت حصصها منذ أشهر قبل انعقاد المؤتمر، ما أثار الانقسام والكراهية والابتزاز والظُلم بين بعض المرشحين والكيانات المانحة لتلك الأوراق!
من يسعى للتغيير ويكشف عن نياته الوطنية المشذّبة من الأنانية والنفعية والثأرية عليه أن يمقت التكتل وينأى عنه تلميحاً بالصورة أو الكلمة في تعبيره عن مشروعه الانتخابي ، وهناك عشرات النجوم ممن نتوسّم فيهم العمل الجمعي لانبثاق مجلس إدارة قوي الإرادة وليس بالضرورة أن يكونوا جزءاً منه ، إنه الاختبار الحقيقي لعبور محنة كبيرة تسبّبت بتأخّر اللعبة وقتلت آمال أجيال لم تلقَ الرعاية الواجبة والمُلزمة بحسب وصايا الاتحادين الدولي والآسيوي ، ولا جدوى من وعود التغيير ما لم تُسندْ بورقة عمل تحقّق مرامي الزمن الأبعد وليس أحلام النجم الأوحد.