طالب عبد العزيز
بين من تصدى وحارب داعش بقين ثابت بالنصر، ومن أصرَّ على أن يكون طرفاً ثالثاً ينسب لنفسه عراقاً لا نعرفه، فهو يقتل المتظاهرين السلميين، المنادين بعودة العراق الى عراقيته،
هناك طرف رابع اسمه أميركا، ومثله طرف خامس اسمه إيران، ولعلنا لا نعدم وجود أطراف أخر، كلها تسعى لغاياتها، التي نعرف بعضها ولا نعرف الكثير منها .. هناك وطن لا يعرف حقيقته إلا طرف واحد هم العراقيون الحقيقيون، الذين ولدوا بلا ذيول ولا ولاءات إلا للعراق وحده.
بلا أدنى شك، سنقف موقف المنصف مع من ضحّوا بأرواحهم، في محاربة داعش، فقد قدموا انفسهم قرابين لما آمنوا به، وما اختلافنا معهم في فهم قضايا مثل الدين والمقدس والوطن نقطة المفارقة بيننا، أبداً، لكننا قد نفهم معنى الطلقة التي توجه الى خصم قذر وقبيح مثل داعش، ونستغور نهاياتها إلا أننا، لا نفهم معنى وغاية ذات الطلقة، التي يوجهها هؤلاء الى صدور الشباب المتظاهر المسالم. فالحرية والمواطنة وحب الحياة بسلام، والتطلع لمستقبل ضامن قضايا لا تتجزأ، فهي جوهرية، إذ لا يمكن الخلط بين الخصم القاتل القبيح والمتظاهر السلمي الجميل.
أكان لهؤلاء المحاربين الأوفياء وطنٌ لا نعرفه؟ أتكون قراءتنا لجغرافيا الأوطان خاطئةً الى الحد هذا؟، وهل أخطأنا في حسابات معاني الوطنية والحدود والسهول والجبال والأودية والدم والانتماء لبني الجلدة والاثر والتاريخ والشعور الوطني والقومي.. لا أظنُّ ذلك، فالآخر، أو الطرف الرابع والخامس والعاشر كلهم على الثبات في ما تعني لهم الأوطان، وعلى ذات التعلق بالأرض التي ولدوا عليها، وعلى المبادئ ذاتها التي آمنوا بها في وحدة التراب والدم والانتماء، ترى لماذا، يتصدى لصدري هؤلاء، ولماذا تشرع بنادقهم بقتلي إن قلت:" أريد وطناً، خالصاً لي، لا أشرك في الولاء له عميلاً أو ذيلاً أو مزدوج الولاء"؟ مثلي مثل كل مواطني بلدان العالم، الذين يفاخرون بأوطانهم؟. أليس هذا حق حق لي؟
أنا، لا أفهم معنى التضحية والشهادة التي قدمتَها أنت صديقي البطل، (محارب داعش) إن ساويت ببندقيتك بيني وبينه !! . فقد خرجتُ لاستعادة وطني، وخرجتَ أنت للدفاع عن ما تسميه مقدساً، فيما المسافة كبيرة بين وطني ومقدساتك، أنا مؤمن بالوطن كله، وأنت مؤمن ببعضه، تدافع وتقاتل من أجل ما تراه خاصتك، فتراها واسعة، وأراها صغيرةً. أما أنا فقد خرجت لاسترد وطنا كبيراً، كان مذهباً، أنا أضع عنقي رخيصةً على حدوده كلها، وأنت تضع عنقك رخيصةً على قطعة صغيرة منه، الوطن كله مقدس عندي، وأنت تقدس بعضه، وتنجس بعضه الآخر، أنا أنتمي لأنهاره ونخيله وسهوله وسمائه وصحاريه وجباله وناسه على اختلاف طوائفه وأديانه ومذاهبه وأنت تقزّمه، تضيّق من فسحة الانتماء إليه، فتدافع عن بعضه وتهمل بعض الآخر. إذن، نحن، وكما قال سميح القاسم : "في واديين، كل وادٍ يتنباه شبح. لكن، أذا أردت الوطن صغيراً، مقطعاً، ذليلاً، تابعاً كما يملي عليك ضميرك وانتماؤك، فما أنا منك بشيء، أنا ذاهب لأسترد وطني الذي يضيق عليك ويتسع بي.