علاء المفرجي
- 3 -
نموذج لسينما المراة، تطرقه عديد من الافلام التي صنعها نساء – إخراجاً بالتحديد – وجسدها بطولة نساء، وهذه الأفلام تكون إشارة واضحة لبلورة سينما المرأة..
فما بالك بفيلم يتحدث عن سيرة امرأة كان لها دور تاريخي في صنع الكثير من الاحداث السياسية التي عاصرتها، تتصدى له امرأة.. وهنا سنتعرف على خصوصية هذه النظرة.
فيلم (المرأة الحديدية) للمخرجة فيليدا لويد والمنتج عام 2012، ففي هذا الفيلم ثمة حياد غريب، انشغل صانعوه بالبحث عن المثال ، أو (التوقّ الى المثال) بحسب المخرج الكبير تاركوفسكي، والتركيز هنا على النجومية بتجريدها من بعدها الإنساني والتعاطي معها كونها استثناء لايتكرر، ف " المرأة الحديدية" لم يشر بشكل معمق الى الآثار الكارثية لسياساتها الاجتماعية ، التي لا زالت تعاني منها بريطانيا حتى اليوم .
الفيلم كما هو واضح يتناول جانباً من حياة مارغريت تاتشر إحدى أشهر الشخصيات السياسية خلال القرن المنصرم ، وأول وأقوى رئيسة وزراء لبريطانيا من 1979 - 1990 ، وقبلها زعيمة لأكبر حزب بريطاني هو (حزب المحافظون) .. والأهم من هذا وذاك أنها حكمت في سنوات هي الأكثر احتداماً بتاريخ بريطانيا وأوروبا، سنوات ازدحمت بأهم أحداث القرن ليس أقلها حرب الفوكلاند مع الأرجنتين ووصول الحرب الباردة الى ذروتها.
من هنا فإن تناول سيرة هذه الشخصية التي خلع عليها الرئيس السوفيتي غورباتشوف لقب المرأة الحديدية لدورها الذي لعبته في الحرب الباردة، يتطلب الإحاطة الشاملة بكل جوانبها بالارتباط مع تاريخية الحدث، وهو ما لم يتصد له صناع هذه الدراما الحياتية، فالاثنا عشر عاما التي قضتها تاتشر في الحكم وأيضاً إجبارها على الاستقالة في نهاية المطاف ، لم تكن الحدث الأساس في الفيلم سوى بالرجوع لبعض تفاصيلها لإغناء الحبكة الرئيسة في الفيلم. إضافة الى أن الملمح الرئيس في حكم هذه المرأة المتعلق مثلاً السياسة المالية المتمثلة بوقف الدعم على قطاعات أساسية ، والتي ألقت بظلالها حتى في الأزمة الاقتصادية العاصفة في أيلول عام 2008 .
المشهد الاستهلالي في الفيلم والذي تظهر فيه تاتشر وهي تبتاع نصف لتر من الحليب ، كامرأة من العامة حتى أنها تتعرض لمضايقة صبي في الشارع، ثم في لقطة تتناول فيها الفطور مع زوجها بينما هي تنصحه بعدم الإكثار من تناول الزبد.. لكن المشاهد سرعان ما يتعرف على هذه السيدة التي كانت حديدية يوماً وهي تعاني من الخرف وفقدان الذاكرة .. وهي الثيمة التي سينشغل فيها نصف زمن الفيلم ، فيما يتوقف المتلقي في النصف الآخر عند اجترار ذكرياتها بدءا من التحاقها في جامعة أوكسفورد ، مروراً بالأيام السبعة عشر التي سبقت حرب الفوكلاند.
كاتب السيناريو وقبله كاتب القصة أعطى للخيال مجالا واسعا في قصة حياة تاتشر، وإن كان التاريخ حاضراً بقوة بتفاصيله التي ميزت حقبة حكمها، ومع هذا فان تناول شخصية بأهمية هذه السيدة الحديدية كان يجب ان يكون بالإطلال عليها من أكثر من زاوية، لذا فإن إغفال الفيلم لتفاصيل كثيرة في حياة تاتشر المهنية ، جعل الصورة التي رسمها الفيلم تشكو نقصاً كبيراً... فنحن لم نتعرف على الطريقة التي تعاطت بها تاتشر مع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في سنوات حكمها، مثلما لم نتعرف على المقاربة مع نظام حليف لها وقف على رأسه شخص لا يبتعد بخصاله كثيراً عن تاتشر واعني به هنا (ريغان) وحقبته الريغانية.. والأهم أيضاً طبيعة الصراع في ذروة الحرب الباردة التي شهدت نهايتها مع نهاية حكم تاتشر.