علي حسين
في كل يوم تكشف لنا المعالجات الدرامية التي وضعها مقربو الحكومة وكتاب سيناريوهاتها أن نظام صدام حاضر بقوة وبكامل معداته، وأن إعلام المعركة تم استدعاؤه للخدمة الإلزامية.
في كل يوم يصحو العراقيون على سيناريو جديد لكنه سيئ الحبكة، فبعد أن انتظرنا تفسيرا لأيام العراق الدامية، وبعد أن عجز الناس عن حل لغز قتل المتظاهرين، وضربنا أخماسا في أسداس لنعرف سر الصواريخ التي تضرب في منتصف الليل، وبعد أن وعدنا البرلمان بأن الحكومة القادمة هي حكومة الشعب، اكتشفنا بالصدفة أن ضياع ثروات البلد وسرقة ملياراته يقف وراءه المتظاهرون الذين أوقفوا مشاريع التنمية وعطلوا بناء المستشفيات الحديثة، وأجهضوا خطة الحكومة لجعل التعليم في العراق يتفوق على اليابانيين.
في كل دول العالم تكون وظيفة السياسي الحقيقي هي إدارة شؤون البلاد على نحو يجعل الناس أكثر أمنا وسعادة وإيمانا بالمستقبل، إلا في العراق حيث يشيع ساستنا الرعب ويكرسون لثقافة الكراهية والعنف، مستخدمين فزاعة الأجندات الخارجية، خطاب لا يختلف عن الخطاب المقيت الذي كان القائد الضرورة يصدع به رؤوسنا كل يوم، يتحدثون عن الفوضى فيما هم أول من ينشر الخراب في كل مكان، يتحدثون عن القانون والعدالة وهم يحرقون البلاد صباح كل يوم، مولعون بالاتجار بقضايا الناس، وقد استثمروا في السنوات الأخيرة فوضى غياب القانون فازدهرت تجارتهم وسط حشد مهول من الكلمات الزائفة، كل يوم شهداء شباب وتفقد أمهات أعز ما لديها وتترمل نسوة، فيما سياسيونا يصرون على أن يملؤوا منابر الفضائيات صخبا وضجيجا.
اليوم العراقيون يريدون دولة الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة، وليست الدولة المريضة والفاسدة التي تحكمها ثقافة الجهل والفقر والمرض، ولا مكان فيها لأي شيء حقيقي، بل المكان والمكانة لكل شيء مزيف ومزور وكاذب ومنافق وغشاش وفاسد وقاتل وانتهازي وسارق.
اليوم ندرك جميعا أن الاستقرار لن يتحقق إلا إذا تخلص الناس من سياسيي الأزمات، الذين أثبتت التجربة في السنوات الماضية أنهم جاؤوا لخدمة مصالحهم والكتل التي ينتمون إليها، فازدادوا ثراء فوق ثرائهم، وتخمة فوق تخمتهم، وأشاعوا الأجواء بخطب ومناكفات شخصية ومشاحنات يضعون قدما في السلطة والأخرى في إحدى دول الجوار، فهم يختلفون في درجة قربهم من المنافع وليس في درجة قربهم من الناس.. وأنهم في نهاية المطاف يلتقون مع أقرانهم من المسؤولين في نقطة واحدة وهي "البقاء في المنصب والحفاظ على المكاسب" .
لقد سقطت دولتكم مع سقوط أول شاب متظاهر ، ومع إغماضة عين صبي في ساحة الحبوبي ، ومع صرخة أم ثكلى فقدت أغلى ما عندها.