لطفية الدليمي
تختلف تعريفات السياسة والثقافة في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين عنها في العقود السابقة، فقد تغيرت طبيعة توجهات السياسة العالمية وأساليبها وامتزجت معها الجوانب الإعلامية والتسويقية والثقافية،
وماعادت تمثل نشاطاً محدداً مختصاً بالحكم أو قيادة الدول والمجاميع البشرية أو وضع الخطط المستقبلية للبلدان حسب، بل استحالت في زمن هيمنة الميديا وتداخل الثقافات إلى شيء مختلف تماماً . يقول المفكر والناقد الثقافي تيري إيغلتن في كتابه ( الثـقافة ) : " لقد استحالت السياسة وعلى نحو متزايد مسألة صورة، وشكل أيقوني ومشهديات مصممة لإمتاع الجموع " بمعنى أنها انزاحت إلى أن تتخذ شكل استعراض يعتمد الإبهار والخداع البصري والملاعبة اللغوية المخادعة التي تفتن الجموع وتسحرها بعيداً عن جوهر الفعل السياسي الخفي، فتحول المشهد السياسي بذلك إلى عمل ممسرح يهدف إلى جانب إمتاع الجموع المستهدفة المخدرة بهراء الخطاب المخادع ،إلى استدراج تلك الجموع ومن ثم إخضاعها، وتتم عملية الاستحواذ السياسي على الحشود عن طريق تكرار سرديات محددة قد تكون دينية أو تاريخية أواقتصادية وصور أيقونية تثير شحنات عاطفية مختلفة وتداعب الغرائز الأولية وتوقظ شهوات الثأر البدائية وتهيج مكامن التعصب .
تعمل التجارة ووسائل التواصل مابعد الحداثية على تجميل الصورة السياسية وصقلها وتتعاون وسائل الإنتاج والمصانع في تقديم صور مبهرة للساسة مثلما تفعل مع المنتجات الإستهلاكية التي تعتمد في رواجها على التغليف الأنيق والتصميم الجذاب، وتخدمها فنون العلاقات العامة النشطة والعلامات التجارية الشهيرة لتمويه بذاءة الشخصية السياسية وخوائها عن طريق إكسائها بأغلفة ذات طبيعة معينة تثير مشاعر الجموع وتدغدغ رغباتها الدفينة ، وتعمل كل هذه المعطيات على تقديم صور مصنّعة زائفة تؤدي إلى الإمتاع اللحظي والإثارة ثم يتم الخضوع اللاواعي بتكرار انهمار الصور.
تختلف تعريفات الثقافة في عصرنا فهي حسب مايخبرنا ايغلتن في كتاب الثقافة مامعناه أن الثقافة مفهوم متعدد الأوجه مما يصعب معه تحديد مفهوم موحد ومحدد له، ويمكن رؤية الثـقافة باعتبارها ( شكلاً من أشكال اللاوعي الإجتماعي ) وقد تكون الثـقافة تجسيداً لأساليب عيش الجماعات البشرية المختلفة بخاصة في المجتمعات البدائية التي تتحكم بها عادات وتقاليد القبيلة وأشكال العبادات والطقوس الجمعية،وقد تكون الثقافة في بعض المجتمعات طريقة ومسعى شخصيا مثابرا لهيكلة الذات أوتحقيق مميزات مرغوبة للذات البشرية عبر مسالك ثقافية.لكنما تبقى خلاصة التوصيف الأكثر عقلانية لدى ايغلتن للثقافة هو أنها ( قد تكون نقداً للحاضر ، باعتبارها مسعى للتغيير واجراءً نقدياً حقيقياً لتفكيك معضلات ومعطيات موروثة أصبحت بحكم اليقنيات الجامدة التي تعيق النهوض بالحاضر الإنساني ، وقد تكون الثقافة رؤية مستقبلية يعمل على تشكيلها علماء وكتاب وباحثون يصممون على أساس خبراتهم صورة متوقعة لثقافة المجتمعات البشرية في قادم الأعوام .
يرى الكثير من الناس - خطأ - أن مفردة الثقافة تعني الأعمال الفنية والفكرية التي تشمل الأدب والفنون البصرية والموسيقى والسينما وغيرها، فيما يرى البعض أنها مساعينا الإنسانية الحثيثة التي تواصلت على امتداد العصور لبلوغ الإرتقاء الروحاني والفكري، بينما يرى الأنثروبولوجيون أن الثقافة غالباً ماتعني القيم والطقوس والمعتقدات والممارسات الرمزية للبشر في مجتمعات مختلفة .
وتنحاز معظم التوصيفات التي تعنى بمفهوم الثقافة الى كونها نشاطا تطوريا طبع حياة البشر منذ أقدم العصور، فرسوم الكهوف والرقصات الشعائرية وطقوس استنزال المطرواسترضاء قوى الطبيعة والاحتفال بالولادة والخصب تنتمي إلى ثقافة الإمتاع من جهة والتكاتف البشري لمواجهة قوى الطبيعة المدمرة للحياة ، ثم تحوّلت هذه الأنشطة الى سياسة منظمة غايتها الإخضاع الجماعي .
