علاء المفرجي
عرفت السينما والمسرح في العراق أسماء مهمة عملت في الأرشيف، والبحوث، والدراسات التي لها علاقة بهذين الفنيين، رغم إننا في العراق نفتقد هذا النوع من الثقافة، ثقافة الوثيقة والحفاظ على المخزون المعرفي التراثي لهما.
إلا ان جهود هؤلاء الذين واكبوا العمل في هذين الحقلين سنوات طوال وعايشوا فيها أجيالاً من المسرحيين والسينمائيين، والرواد منهم بشكل خاص، وأذكر منهم الراحلان أحمد فياض المفرجي، وعلي مزاحم عباس، وبعدهم عقيل العطية.. وآخرون، حاولوا بجهودهم الذاتية أن يوثقوا بعضاً من تاريخ هذين الفنين.
وبموازاة هؤلاء عمل بعض المشتغلين في الإعلام والصحافة العراقية المتخصصة بالأمور الفنية، في نفس الاشتغال هذا بل وزادوا عليه الترويج والنشر بحم طبيعة أعمالهم، ليحافظوا على شخصية الوثيقة.
ومن هؤلاء الإعلامي عبد العليم البناء الذي ارتبط في هذا العمل قبل مايقارب من خمسة عقود من الزمن ، وتنوعت الاشتغالات التي مارسها بحب وتفاني، واغتنت تجربته بشكل كبير من خلال معاصريه من أجيال فنية وبألاخص قربه من عدد كبير من جيل الرواد.
عملت مع البناء بداية سنوات التسعينيات، عندما كان مسؤولاً عن قسم الأعلام في مؤسسة السينما والمسرح، وكنت مأخوذاً بجده وحبه لعمله، ودرايته بالكثير من تفاصيل العمل الفني، ثم كانت مسؤوليته لإدارة المهرجانات في وزارة الثقافة فرصة له في إظهار موهبته في التنظيم والإدارة.. واتذكر أنني كتبت مقالاً عنه وصفته فيه ب (الداينمو).
فعبد العليم وثق جانباً من عمله في السينما والمسرح منذ منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، والتي تكللت بكتابه البكر (أوراق فنية)، والكتاب سياحة إعلامية وتوثيقية محترفة في سير الفنانين، والأحداث الفنية والتحليل لبعض الظواهر الفنية، بالتواريخ والشهود.. فمن خلال كتابه هذا نقف عند أحداث فنية مهمة، يتحدث عنها وعن أثرها في مسيرة الفن العراقي، فقد استطاع كما يشير الدكتور عقيل مهدي في كلمته على غلاف الكتاب: "أن يركز سعة معلوماته الاستقصائية، سواء في تحليله واستنتاجاته، أم باسلوب الصحافة الفنية الجذاب في نقل الخبر ورسم الأحداث."
فلا غرابة أن يستهل كتابه (أوراق فنية) بعبارة للكاتب الارجنتيني بورخس حيث يقول :"أنني أكتب لأني أشعر بأنني أؤدي وظيفة أراها ضرورية بالنسبة لي، وإذا لم أكتب، أشعر بخيبة الأمل والندم".
فالكتابة في الحقول الفنية لدى البناء هي أمر ضروري وفعل مؤثر، خاصة مع المدى الذي لحق بالكثير من الأحداث، بل والأشخاص بسبب إهمال التوثيق، وعدم الحفاظ على الذاكرة الفنية، التي صارت سمة غالبة في الثقافة العراقية. فهو لم يكتب – على الأقل- كشاهد لكثير من التفاصيل وعلى مدى نصف قرن تقريباً، سيشعر بخيبة أمل.
و(أوراق فنية) هو عنوان الكتاب الذي أصدره البناء، وهو بالأصل العمود الصحفي الذي جال به لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن في أكثر من مطبوع عمل به... وأصبحت لديه حصيلة وافرة جداً تصدى فيها بالمتابعة والمعالجة والتحليل وأحياناً النقد البناء لكثير من الظواهر والمهرجانات، والعروض والورش، والجلسات، والحوارات، واللقاءات مع صناعها، بما فيها الانتاجات السينمائية والمسرحية، والفنون الساندة، التي ينطوي عليها المشهد الثقافي والفني عراقياً، بتجلياتها وانثيالاتها وتمظهراتها المتنوعة.
فهو لم ينس أو يغفل أمراً فنياً ما ابتداءً من عروض الكتب الفنية، أو الحديث عن بعض الرموز الفنية، خصوصاً التي غادرت عالمنا، أو المبادرات، والابداعات الفنية.
أوراق فنية إذن هي أوراق الصديق عبد العليم البناء، التي جمعها بحب، من أجل أن تكون بيد القارئ.