القاضي سالم روضان الموسوي
إن مجلس النواب في العراق هو السلطة المعنية بتشريع القوانين الاتحادية على وفق أحكام المادة (61/أولا) من الدستور النافذ باستثناء الأنظمة والتعليمات التي تعتبر من التشريعات الفرعية والتي تهدف لتنفيذ القوانين فإن السلطة التنفيذية هي المختصة بذلك وعلى وفق حكم المادة (80/ثالثاً) من الدستور،
وآلية تشريع القانون في العراق توزعت بين الدستور والقوانين والنظام الداخلي لمجلس النواب وحيث إن عملية تشريع القانون تبدأ من فكرة طرح المقترح وتمر بآلية الإعداد ثم الإرسال إلى مجلس النواب وبعدها يمر بالمداولة التي تتكون من مرحلتين الأولى القراءة الأولى للمقترح وبعده بيومين تتم القراءة الثانية للمقترح ومن ثم بعد أربعة أيام يتم التصويت على المقترح وعند انتهاء التصويت يكون مجلس النواب قد سنّ القانون وعلى وفق الإجراءات التشريعية التي وردت الفصل السادس عشر من النظام الداخلي لمجلس النواب الصادر عام 2007 ، وبذلك يصبح القانون جاهزاً لإرساله إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة وإصداره وعلى وفق ما جاء في الفقرة (خامساً) من المادة (1138) من الدستور النافذ، والملاحظ إن الدستور العراقي حدّد مدة خمسة عشر يوم لرئيس الجمهورية للمصادقة على القانون وإصداره وعلى وفق ما جاء في الفقرة (ثالثاً) من المادة (73) من الدستور التي جاء فيها الآتي (يصادق ويصدر القوانين التي يسنّها مجلس النواب، وتعد مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها) لكن ما لاحظناه خلال الفترة المنصرمة إن مجلس النواب كان قد صوّت على قانون الانتخابات الجديد في منتصف شهر تشرين الثاني من عام 2019 إلا أن ذلك القانون لم يُرسل إلى رئاسة الجمهورية لغاية الآن مع أن الظروف التي أحاطت القانون عند صدوره كانت قاسية قدم فيها الشعب العراقي الدماء والقرابين من خيرة شبابه في الاحتجاجات التي كانت ومازالت قائمة من أجل محاربة الفساد والضغط على مجلس النواب لتشريع القوانين التي تخدم الشعب ومنها قانون الانتخابات، إلا أن مجلس النواب قد استغل عدم وجود نص نافذ يلزم مجلس النواب بإرسال القانون بعد التصويت عليه إلى رئاسة الجمهورية خلال مدة معينة وتراخى في ذلك لغاية الآن، حيث أن مجلس النواب لم ينشر القانون الذي صوّت عليه في موقعه الرسمي لا في حقل القوانين الصادرة ولا في حقل القوانين قيد التشريع مما جعل الشارع العراقي في حالة قلق من الإلتفاف على المبادئ التي وردت فيه والتي كانت تلبية لطلبات الشعب المحتج والمتظاهر ضد الفساد في العملية السياسية وما زاد ذلك القلق تصريح لأحد أعضاء مجلس النواب بأن سبب التأخير في إرسال القانون إلى رئاسة الجمهورية وجود أخطاء لغوية في القانون توجب التصحيح وأرى إن هذا التأخير لا مبرر له، لأن يد مجلس النواب ترفع مشروع القانون بعد التصويت عليه وليس له صلاحية أي تعديل أو تحرير أو تصحيف أو أي أمرٍ آخر، وإنما يرسل إلى رئاسة الجمهورية، لأن مشروع القانون في مرحلة إجراءات تشريعه كان قد مرّ بأدوار من المناقشة والتعديل والتصويب والتصحيح ، فضلاً عن ذلك فان النص القانوني لا يجوز عرضه للتصويت إلا إذا اكتمل من كل النواحي بما فيها التدقيق اللغوي ويفترض معرفة الأعضاء باللغة وأساليبها اللغوية أو وجود متخصص في اللغة العربية يتولى المهمة قبل عرض المشروع على التصويت، ويذكر أن النظام الداخلي لمجلس النواب قد منع أي تعديل على أي مادة قانونية يتم التصويت عليها أو مناقشتها خلال فترة المداولة التي هي القراءة الأولى والقراءة الثانية إلا إذا كان ذلك بطلب من الحكومة أو رئيس اللجنة المختصة في مجلس النواب أو بطلب من خمسين عضواً من أعضائه وفي كل الأحوال يكون ذلك ممكناً أثناء فترة المداولة وهي التي تسبق التصويت وعلى وفق ما جاء في المادة (135) من النظام الداخلي لمجلس النواب التي جاء فيها الآتي (إذا قرر المجلس حكماً في إحدى المواد من شأنه إجراء تعديل في مادة سبق أن وافقت عليها، فللمجلس أن يعود لمناقشة تلك المادة، وكذلك يجوز للمجلس إعادة المناقشة في مادة سبق إقرارها إذا أبديت أسباب جديدة، قبل انتهاء المداولة في المشروع وذلك بناء على طلب الحكومة، أو رئيس اللجنة، أو خمسين عضواً من أعضاء المجلس) وحيث أن رئاسة مجلس النواب لم ترسل القانون لغاية الآن رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر فانه التراخي فيه مخالفة لأخلاقيات العمل التشريعي والالتزام باليمين التي أداها أعضاء مجلس النواب، وهذا التراخي لابد من معالجته دستورياً أو قانوناً عبر تشريع ينظمه أو تتولى منظمات المجتمع المدني إلى التصدي إليه عبر إقامة الدعاوى على وفق ما رسمه القانون والدستور ومثال ذلك دور منظمات المجتمع المدني في قطع الجلسة المفتوحة التي استغلها المجلس ذاته في إطالة أمد الأزمة في حينه وكان للمحكمة الاتحادية العليا القول الفصل في ذلك عبر قرار الحكم الصادر عنها بناء على دعوى أقامتها إحدى منظمات المجتمع المدني بالعدد (55/اتحادية/2010) في (24/10/2010 ) الذي ألزم رئيس مجلس النواب رئيس السن بقطع الجلسة المفتوحة والالتزام بالمدد الدستورية، لذلك فان الارتياب بدا يتسرب إلى الظنون من النوايا التي نخشى من عدم حسنها، كما أن الشعب لم يطمئن للطبقة السياسية التي تتحكم بأمور البلاد وعبر عن ذلك في موجة الاحتجاجات التي عطلت الحياة في البلاد منذ شهر تشرين الثاني ولغاية الآن وأرى إن سبب ذلك الارتياب من أفعال الطبقة المتحكمة بمقاليد الامور وانعدام الثقة بينهم وبين الشعب الذي يرى فيهم قول الشاعر عبدالغني النابلسي
بين أهل الجحود والتكذيبِ
كل أمر من الأمور عجيبِ
واستخفوا بنا على سوء ظنٍ
ثم عادوا باللوم والتأنيبِ