علي وجيه
في هذه اللحظة، ومع استمرار التوتّرات بين القبّعات الزرق (تشكيلٌ تابعٌ للتيّار الصدري) والمتظاهرين الآخرين، يُنهي زعيم التيار مقتدى الصدر كلّ المناطق المشتركة مع الجمهور المدني خصوصاً، والمتظاهرين اللا مُنتمين عموماً، والتي بدأت منذ عام 2015.
يُنهي الزعيم الذي لا سبيل لخوارزميّة منطقيّة للتعامل معه، جهوداً طويلةً من العمل المشترك، أبدى فيها تنازلاتٍ "إسلامية" في وقتها، بينما شكّل أساتذة آخرون إطاراً نظريّاً لهذا الاجتماع التاريخيّ الذي يجمع بين جمهورين: إسلامي وعلماني، وهذا الإطار النظري الذي تولّى تصديره كتّاب وصحفيون مرموقون، من أبرزهم د.فالح عبد الجبّار، د.فارس كمال نظمي، سرمد الطائي، مروراً بأحمد عبد الحسين وجاسم الحلفي وليس انتهاءً بالمدوّنين الشباب الذين حاولوا العمل بالممكن، لكن الإطار هذا تحطّم بعد أن استمرّ الصدر بنسق جمع الخيوط كلّها في يدٍ واحدة، مع تغيّر العوامل المُعتادة للأوضاع.
فرزت عملية المطار واغتيال الجنرال سليماني ونائب رئيس هيأة الحشد الشعبي جمال جعفر (أبو مهدي المهندس) المعسكرات الفكرية، التي دخلت عليها احتجاجات تشرين، بطريقةٍ عنيفة، جعلت حتى مَن كان يُراهن على وجود معسكر "عراقيّ شيعيّ"، يعود لنقطة البداية، وما نفع حينها أيّ تبريرٍ فكريّ، خصوصاً وأن الصدر ظهر بعدها مع قادة فصائل شيعية لطالما نبزهم، واتهمهم، وهاجمهم.
لكن الأمر قد يبدو مقبولاً في المساحة السياسية، لكنه لن يكون مقبولاً بإطار غير سياسيّ، خالٍ من المنطقة الرمادية للأشياء، وهي منطقة الاحتجاجات، فإما أن تكون معها، أو بالأقل مع الدماء التي سقطت، أو تكون ضدّها، ولعب الصدر بشكلٍ مؤذٍ على منطقة الاحتجاجات، بقرارات لحظيّة قد تكون متناقضة مع نفسها بعد عدّة ساعات.
الصدر كان محظوظاً للغاية في أوائل الاحتجاجات، حين تم فرزه نسبياً عن الطبقة السياسية، وتم التغافل عن الأثر السياسي والنفوذ الذي يمتلكه، وأن عبد المهدي كان اختياره واختيار العامري، وتم التعامل مع الصدريين بوصفهم شركاء وأخوة في التظاهرات، بينما كان أبناء التيارات والاتجاهات الأخرى في مرمى الهتافات.
الآن، تقوم القبّعات الزرق برفع هراواتها باتجاه المتظاهرين، بذلك يُنهي الصدر كل المناطق المشتركة، ويصطفّ بشكلٍ واضح مع معسكر السلطة، وقد لا يبدو هذا الاصطفاف مؤذياً للمتظاهرين بقدر ما سيكون مؤذياً للصدر نفسه، فمن المستحيل أن تعتبره الفصائل المسلّحة المقرّبة من إيران جزءاً طبيعياً منها، ومن المستحيل نسيان أنه جزءٌ من السلطة، وفي هذه اللحظة لا يدَ في العالم ستنجح بجمع الخيوط كلّها، خصوصاً المُتنافرة منها.
يراسلني أصدقاء صدريون كثر، وهم يُبادلوننا خيبة الأمل هذه بالشراكة مع الصدر، الذي أبدى مرونةً أكثر من غيره وقت الاحتجاج، وكان يشكّل حمايةً لا بأس بها للشباب في الساحة، لكن السيطرة على المطعم التركيّ بهذه الطريقة، والخطاب العدائيّ للشباب، ووقوف القبعات الزرق إلى جانب مكافحة الشغب، تشير إلى عجز النخبة، وإطارها النظريّ، عن استمراره مع قرارات الصدر.
حتى وقتٍ قريب، كنتُ أثقُ شخصياً بهذه الشراكة، ورغم عدم إيماني – وقتها – بذهاب المتظاهرين المدنيين إلى الحنانة، إلاّ أنني كنتُ أراها خطوةً سياسية لحظية، من الممكن أن تتطور، وأن تكسبَ طرفاً من السلطة، إن صلحَ سيصلح جزء كبير من الدولة، لكن القراءة خاطئة، والشراكة خاسرة منذ لحظتها الأولى.
أنهى الصدر المشتركات مع المتظاهرين، حتى إن كتبت التغريدات عكس ذلك، وبكلّ الأحوال فإنّه الآن بمواجهة أعداد كبيرة، ندمت – على حدّ كتابتها وهتافاتها – على فرزه من بين الأطراف الأخرى، فالمتظاهرون الذين كتبوا في ليلةٍ ما "شكراً للقبعات الزرق" بدأوا يرونها "حصان طروادة" ويداً للسلطة تعبث بأرواح المتظاهرين.
جميع التعليقات 6
حرير
لم ولن يسبق لنا ان نشاهد هكذا اسود ( الشعب) يقودهم حملان
Anonymous
واقعي جدآ وبهذا الصدر كسر جميع حوجز التحفظ من المتظاهرين
اركان الجنابي
مقال اكثر من رائع الرجل مخبوء تحت لسانه وكان مخبوء تحت وجهه قبل لسانه نتمنى ان نلدغ مرة اخرى مبارك لكم العمل الجديد
Anonymous
افتقدتك بالفيسبوك ودورت ولكيتك تمثل عقلي الافتراضي بالنضوج الفكري الحكيم، شكرا ابو معنى
علي كريم
منصف جداً
النمرقة الوسطى
وما الذي ابديتموه بالمقابل من تنازلات لمقتدى الصدر