طالب عبد العزيز
على الرغم من قذارة الدكتاتورية والمستعمر الأمريكي وبعد أكثر من نصف قرن على استشهاد الثائر الارجنتيني ارنستو جيفارا(1928-1967) واغتيال المناضل الأسود مارتن لوثر كنغ (1929-1968)
والعالم ما زال يحتفل بذكراهما بوصفهما ثائرين وبطلين أممين، ومثلهما يحدثنا التاريخ عن الزعيم الوطني نيلسون مانديلا(1918-2013) وعن العشرات من الأسماء الكبيرة الخالدة، التي أضاءت سيرها الصفحات وتعلقت بها القلوب وباتت مثالاً للانسانية.
وعبر متوالية الزمن والمواقف الانسانية العظيمة نجد أن تاريخنا العربي لا يخلو من الاسماء الخالدة، الحقيقية، غير أن تعاقب الحكومات الرجعية والعميلة، وعدم مقدرة الشعوب على النهوض والاتيان بحكومات ديمقراطية، تتشكل من داخل نسيج الشعوب هذه، وبعيداً عن الدين والطائفة والقبيلة فقد خلت أدبياتنا السياسية والثقافية والاجتماعية من ذكر الرموز الوطنية والانسانية، اللهم إلا داخل الفصيل الضيق الذي تنتسب إليه، ومن يترصد أسماء المدارس والشوارع والمدن يجد تراجع وأختفاء الرموز تلك، لتتقدم الرموز الدينية والطائفية، حتى لتبدو حياتنا خلواً من صور البطولة والنضال الحقيقي، وبسبب الخوف من الفصائل المسلحة صرنا نقرأ اسماء القتلة والمجرمين وهي تطلق على الجسور والشوارع والمؤسسات.
سقطت الأنظمة الاستعمارية في معظم دول امريكا اللاتينية، وأعيد إنتاج جيفارا في القارة كلها والعالم ، وتحرر الزنوج في امريكا وبات لوثر كنغ اليوم علامة مضيئة في التاريخ الامريكي والانساني، واستقلت جمهورية جنوب أفريقيا وصار مانديلا رمزاً لنبذ العنصرية والاستقلال والتسامح الإنساني ،وهناك من الأبطال التاريخيين ممن ما زالت اسماؤهم تضيئ العالم من حولنا، نستحضرها في مناسبة وغير مناسبة. حكومات وشعوب العالم تقدم الرمز الوطني بعيداً عن الموقف السياسي منه، نتذكر كيف همس السكرتير الشخصي للرئيس الفرنسي ميتران، أثناء إجتماعه بوزارته ثم نستحضر الموقف الكبير له، وهو يقف أمام الجميع ليقول:" الآن فقدت فرنسا واحداً من عظمائها، لقد مات جان بول سارتر"
ألا تشعر الدولة العراقية إنها ومنذ سقوط نظام صدام حسين في ربيع 2003 الى اليوم لم تقدم لنا رمزاً وطنياً واحداً؟ أليس من المعيب أن يكون الرصاص والبندقية والمسدس الكاتم واللصوصية هو الصفة الكلية لحياتنا طوال سبعة عشر عاماً؟ بماذا نتقدم الى العالم المتمدن؟ أيكون بمقدورنا تسمية بطلٍ وطني واحدٍ؟ إني لاستعرض أسماء الذين تعاقبوا على كراسي الحكومة كلها فلا أعثر على واحد والله. اللهم إلا من كان خائناً وعميلاً وطائفياً ولصاً وقاتلاً، وإني لأشعر بالعار، بانكم مجتمعين لم تعملوا على محو اسماء صدام حسين وحسين كامل وعلي حسن المجيد من ذاكرتنا. فقد ظلت متوالية القتل والظلم والنذالة قائمة في قلوبنا الى اليوم.
سيأتي اليوم الذي يسمي الشعب فيه العراقيين الحقيقيين، الذين وقفوا ليصنعوا غده المشرق، وستكون اسماء الشباب الذين سقطوا برصاص العملاء والذيول في ساحة التحرير ببغداد والبصرة والناصرية والنجف وكربلاء والحلة وميسان وغيرها هي الرموز التي نتقدم بها الى العالم، وستصطف اسماؤهم مع جيفارا ولوثر كنغ ومانديلا وسواهم .. وسيذهب القتلة من العملاء والطائفيين والخونة الى مزبلة النسيان.