يوسف أبو الفوز
أعلِن مؤخراً، عن رحيل الممثل المخضرم، كيرك دوغلاس، عن عمر ناهز 103 أعوام، (2020-1916) بعد أن قضى حوالي ستين عاماً منها في مجال الفن،
وأشهر ما عرف به فيلم سبارتاكوس، الذي أنتجه وقام بتمثيل الدور الرئيس فيه، والذي يعتبر نقطة مهمة في حياته. بلغت أرباح الفيلم في حينه حوالي ستين مليون دولار وكانت تكاليف أنتاجه لم تبلغ 12 مليون، بالرغم من اعتبارها في حينه واحدة من أغلى تكاليف الإنتاج. والأهم إن الفيلم ترشح لـ 17 جائزة سينمائية، منها جائزة الاوسكار لأفضل ممثل بدور رئيس لكيرك دوغلاس، لكنه لم ينلها، بينما نال الفيلم أربع جوائز أوسكار، منها أوسكار أفضل ممثل مساعد لبيتر أوستينوف (2004-1921)، بالإضافة لأربع جوائز سينمائية أخرى مثل جائزة أفضل فيلم درامي من جوائز الجولدن جلوب.
أيام إنتاج وعرض فيلم سبارتاكوس عام 1960 كانت أمريكا تعيش أياماً عصيبة بتأثير سياسة الإرهاب الثقافي، التي عرفت بالمكارثية، حيث قاد عضو مجلس الشيوخ الأمريكي ،من الحزب الجمهوري، جوزيف مكارثي (1908 - 1957)، في ظل سعار الحرب الباردة ، بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، حملة لتوجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون ثبات الأدلة، للكثير من الفنانين والمثقفين والنشطاء الاجتماعيين، وتسبب في اعتقال وحبس البعض بتهمة الشيوعية وكونهم يعملون لمصلحة الاتحاد السوفيتي، وتسببت الحملة المكارثية بطرد أكثر من 10 آلف شخص من وظائفهم وتم التنكيل بعشرات الشخصيات الشهيرة ، منهم مارتن لوثر كينغ و ألبرت أينشتاين وآرثر ميللر وتشارلى تشابلن.
من الأسماء التي شملتها الحملة المكارثية، كان الروائي وكاتب السيناريو الشيوعي الناجح جيمس دالتون ترامبو، (1976-1905)، الذي كان ضمن أشهر الكتاب في هوليوود في فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين. وتسببت الحملة المكارثية بسجنه لأنه أبدى شجاعة فائقة، في مواجهة الحملة، ورفض الاتهامات وتقديم أي اعتراف ضد زملاءه. فجاء الحكم بسجنه لمدة 11 شهرا، مع قرار منعه من العمل لمدة عشر سنوات، فاضطر بعد إطلاق سراحه، للكتابة بأسماء مستعارة، والطريف إن بعض أفلامه التي كتبها بأسم مستعار فازت بجوائز الاوسكار مثل عطلة رومانية (1953) والشجاع (1956) واضطرت أكاديمية الفنون وعلوم الصور المتحركة، للاعتراف بحقوقه كفائز بجائزة الأوسكار عن أحسن سيناريو في فيلم الشجاع، وقدمت له الجائزة باسمه عام 1975.
يذكر أن الروائي هوارد فاست (1914 – 2003)، كتب رواية سبارتاكوس في السجن عام 1951، بعد ادانته كونه شيوعي ورفضه تقديم اعترافات وإفادات، لتأتي الرواية صرخة أدانة للعبودية وتمجيداً للنضال من أجل الحرية، ولرفض حملة الإرهاب الثقافي، التي يقودها جون مكارثي. وقام دالتون ترامبو، واستناداً للرواية، بكتابة سيناريو فيلم بنفس العنوان، وبعد أن حصل كيرك ديكلاوس على حقوق السيناريو، قرر التعاون مع المخرج ستانلي كوبريك (1928 – 1999) إخراجه، وأصر عند عرض الفيلم على كسر حظر المكارثية لأسم دالتون ترامبو ووضعه على إعلانات الفيلم ككاتب لسيناريو الفيلم. كانت خطوة شجاعة تحسب لكيرك دوغلاس إذ ساهمت في تفكيك حملة الإرهاب الفكري وإلغاء القوائم السوداء.
وبعد نجاح الفيلم، منح كيرك دغلاس الفضل الأكبر في ذلك لكاتب السيناريو، وصرح بأنه حتى سبارتاكوس كان عمل أكثر من 85 فيلماً، "لكن الشيء الأكثر فخراً به هو العمل لكسر القائمة السوداء". ومن الجدير بالذكر إن الرأي العام تصاعد بعدها في إدانة المكارثية، وعزل جوزيف مكارثي نفسه، الذي أدين بالفساد وتوفي فيما بعد مدمناً على المخدرات.
في موقفه اعتبر كثيرين كيرك دوغلاس متماهياً مع موقف بطله العبد المصارع سبارتاكوس الثائر ضد الحياة اللانسانية التي عاشها العبيد في أيام الإمبراطورية الرومانية، والذي قاد ثورة انضم اليها آلاف منهم مطالبين بحريتهم. يذكر أن من الأشارات التي كانت لصالح كيرك دوغلاس في تحديه للقوائم السوداء للحملة المكارثية، هو أن الرئيس الأمريكي المنتخب حديثا حينها، جون كيندي، حضر عرض الفيلم وأشاد به، فكانت أشارة مهمة لمعارضة الحزب الديمقراطي الأمريكي للمكارثية وعلامة للانفراج السياسي نوعاً ما في حياة المجتمع الأمريكي.