علي حسين
في كلّ مساء وأنا أجلس أمام شاشة الكومبيوتر لأقدم للقراء الذين يتابعون "جنابي" ما في جعبتي، أعرف وأدرك جيدا أنّ العديد من القراء الأعزاء يريدون مني أن أترك الحديث عن الكتب،
فما يجري في بلاد الرافدين يفوق كثيرا ما سطرته الكتب عن الألم والعذاب والخسة وانعدام الوطنية، حتى تحول فتح جسر - السنك - سالت عليه دماء شباب بعمر الزهور ، انتصارا يتباهى به "الببغاء" عبد الكريم خلف، ويعلن أن حكومته التي لا صلاحية لها ، سوف تطارد المتظاهرين حتى وهم في بيوتهم.. ويكفى أن تطالع تصريحات خلف لتكتشف أن الضمير الوطني عند المسؤول العراقي مخطوف إلى حد مؤلم، فخلف يتحدث مرة أخرى عن " عصابات " ، ويكرر الحديث الغرائبى عن التظاهرات ، وينسة او يتناسى انه كان وقبل عام من هذا التاريخ يشتم الحكومة والبرلمان ويطالب بقطع الجسور واقتحام المنطقة الخضراء ورمي السياسيين في التهر، ويتنقل بين الفضائيات يصرخ ويبطي من أجل ورقة بمئة دولار!! .
حالة اللاوطنية بالتعامل مع ضحايا جسر السنك بلغت امس حدا غير مسبوق فى تاريخ الاساءة لشباب التظاهرات ، وفي محاولة يائسة للنهش من سمعة المعتصمين بطريقة أقرب إلى اعتبارهم كائنات مستباحة، فى إطار المشروع " الخلفاوي " لتشويه الاعتصام وتصوير المتظاهرين وكأنهم مجموعة من مصاصى الدماء.
تلعب الجسور دوراً كبيراً، في حياة الشعوب، وإذ نذكر مآسي الجسور تحضر في أذهاننا كارثة جسر الأئمة عام 2005 ، والتي راح ضحيتها أكثر من ألف عراقي خاضوا حرب الحياة مع مياه دجلة، لم يجدوا حتى اللحظة الفاصلة بين الموت والحياة أي مسؤول يقف منتظرا عسى أن يتم إنقاذهم، لأن الساسة والمسؤولين ذهبوا صوب مايكرفونات الإعلام يبثون ويحتجون وينددون ويجمعون التبرعات التي تحولت إلى أرصدة في بنوك الخارج، فيما عوائل الضحايا لا تزال حتى هذه اللحظة تنتظر من يمد يده إليها لينقذها من العوز والفقر والتشرد،
وانا اقرا اخبار جسر السنك ، تذكرت رواية اليوغسلافي الكبير إيفو أندريتش، "جسر على نهر الدرينا"، وكيف تسبب هذا الجسر بإراقة دماء المئات، فالحاكم الذي أمر ببنائه كان في منتهى البطش والقسوة، فرض على السكان كل أنواع السخرة والعذاب، بما في ذلك إقدامه على إعدام من اعتبرهم مخربين، مثلما يريد اللواء عبد الكريم خلف أن يفعل.
كان اليوغسلافي جوزيف تيتو، يقول : شيئان لا يمكن استيرادهما، الوطنية والجيش. ولهذا سوف يذكر التاريخ أنّ بلداً مثل العراق يخوض ساسته حربا لتشويه سمعة اكثر من 600 شهيد ، ليقولوا للعالم إنه لا قيمة لحياة الإنسان وكرامته .
إن الأبواق التى تشيطن سمعة شهداء انتفاضة تشرين ،هى ذاتها التى تسعى بكل جهد لإسقاط الوطن من ذاكرة العراقيين .