علي وجيه
أحبّ شباط أكثر حتى ممّا تحبّه القطط، لأن هذا الشهر الذي يمقته الشيوعيون لأنّه ضمّ انقلاباً أسود، ويكرهه الإسلاميون نظراً لوجود دبّ أحمر يهشّم العقيدة، من وجهة نظرهم، أحبّه لأسباب عدّة، منها عيد ميلادي، وأيّام أخرى تهمّني، على رأسها (عيد الحب)، أو "الفالانتاين".
ولأننا أمّة نكاح، وحتى العاطفة التي كانت لدينا ونعبّر عنها بالقصائد والأغاني في تراثنا، كانت طريقةً لتسهيل الوصول إلى السرير، فيما ظلّ الحب، تلك الطاقة اللا نفعيّة، يتيماً وعلى جَنَب طوال سنوات الخيم المغلقة، والغرف والمسدودة بالخوف، غرف الـ15 دقيقة، دون حتى كلمة "حبيبتي".
يبدو جيلنا محظوظاً، بالتعرّف على آلاف الطرق للتعبير عن الحبّ، وطلّ العالم علينا بعد زوال جدار اسمه "صدّام حسين"، وبدأنا نعرف طرقاً جديدة لنقول "أحبّكِ" و"أحبّكَ"، بدلاً عن الأم التي تذهبُ خاطبةً، أو الشاب الواقف في الزقاق، تحت الحرّ والبرد، ليظفر بنظرةٍ، وربع ابتسامة، مع خوف عملاق من شقيق الجميلة، التي لا سبيل إليها إلاّ بإرسال الأم التي "تفعصها" بحثاً عن قوة العظم، ورقّة اللحم، وانسدال الشعر.
لم يكن الحبّ محركاً عراقياً للشأن العام، الحبّ للضعفاء، يكون جانبياً وشبه مخفيّ، في مجتمعٍ دأب على تسمية الزوجة بـ"البيت"، والحبيبة بـ"صاحبتي"، لكنه تداخلَ بشكلٍ كبير، ولعلّ احتجاج تشرين كان مؤشراً واضحاً، على وجود جيلٍ فضلاً عن أنه لا يخاف من الرصاص الحي، فهو لا يخافُ، نساءً ورجالاً، من القول إنه "عاشقٌ"، فثمّة مَن تزوّج على سريع محمّد القاسم، ومَن عقد قرانه في خيمة "أبناء ثنوة"، ومَن يُعلن ارتباطه بشكلٍ علني بحبّ في فيسبوك.
لا مناص من الكتم على أنفاس الشباب، حتى إن كان "الفالانتاين" عيداً غربياً، أو مسيحياً، فالتراث الإسلامي ليس لديه معادلٌ موضوعيّ ليومٍ واحد لا يحتفي بالموت، والقتل، وكلّ "الاكسسوارات" اللاهوتية الأخرى، ليس لدينا عيدٌ عربيّ للحب، حتى إن كان وهمياً، حتى إن كان له علاقة برمزين دينيين مقدّسين، وحين لا تتوفر لديك مناسبة كهذه، فمن الطبيعيّ انتظار أيّ فرصة للفرح!
نصحني مرّةً، في المراهقة، قريبٌ لي يدرس العلوم الإسلامية، حين رآني أسقطُ في نهر الحب الذي سيجرفني طوال حياتي "حبّ النساء تفاهة، تخيّلْها في دورة المياه وستزول من قلبك"، كنتُ حينها مأخوذاً بألبوم إليسا "تصدق بمين؟"، وأكادُ أكون بخفّة ريشة، وسألتُ نفسي سؤالاً آنذاك: لماذا يريد أن تزول من قلبي؟ ولماذا الموضوع تافه؟، فاكتشفتُ أن المنظومة التي ينتمي لها هذا القريب، هي ضدّ كلّ ما يتصلُ بالمسرّة، حلالاً أو حراماً، ولهذا شاهدوا هستيريا الإسلاميين من رؤية أيّ عاشقين في الشارع، حتى إن لم يكونا يمسكان يديْ بعضهما.
لم يختبر هؤلاء اللذائذ مثلنا، لذّة الأغنية المشتركة، والاشتياق، والاختناقة المكبوتة على الوسادة، ارتجافة الركبتين حين رؤية مَن نحب، معرفته من صوت زفيره قبل أن يقول "ألو"، الأصابع القطنيّة التي تجمعك وتحتويك، رغم أنك أطول وأضخم، لم يعرف هؤلاء هذه اللذة التي تأتي مصحوبةً بالتعب، أن يكون هناك شخص يتمّم العالم، ويملأ ثلمته الواسعة، ولهذا مظهر عاشقيْن بالنسبة لهم، مرعبٌ أكثر من مشهد جثّة!
ماذا يفعل أحدهم إن أحب؟ سلوكه سلوك بالونة في غرفة دبابيس، فكلّ شيء "حرام" و"عيب" و"يُلهي عن ذكر الله"، ولهذا يعوّض واحدهم هذا الكبت بالأزقة الخلفية للشرع، من "المتعة" و"المسيار"، ثم يكتشفُ أنّه مُكبّل بصورته النمطيّة التي صنعها بشأن نفسه، فلا ينجح بالتقرّب من امرأة.
حدّثتني ذات مرّة صديقة، عن "رأس" إسلامي أحبها، كتبَ قطعةَ أرض باسمها، قالتْ وهي ترسلُ نظرةً ساهمة للفراغ: كنتُ سأكتفي بأغنية، ووردة، لكنه لا يفهم هذه الأشياء.