TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: أستل من روحي سيفاً، لأقتلني

قناطر: أستل من روحي سيفاً، لأقتلني

نشر في: 15 فبراير, 2020: 07:05 م

 طالب عبد العزيز

أن تنفق ستين عاماً من حياتك في بلاد كهذه لهو الخسارة بعينها. حياة لا تخترقها قصة حب حقيقية، ولا تطيب فيها لك لقمة، ولا تشعر بوجودك كأنسان، بل تفتقد فيها كل ما له علاقة بالانسانية، يسخر منك الشرطي،

ويبتزك مستثمر المدرسة الأهلية والطبيب، ويستغفلك المحامي، ويغدر بك التاجر، ويقتلك الاحمق والوغد، ولا يحترم أمسك فيها أحد، ولا يجاورك فيها من تحب .. عن أي حياة تتحدث وقد بلغت من العمر أرذله.

مثل غريب في بلاد غريبة وقد أكلت الغربة جلدك، تتحدث مع نفسك، تتسمع أغنية في السرّ، وفي السرِّ ذاته تشرب كأساً ، تتقيأ أمعاءك، فتخشى أنْ يسمعك أحدهم، تخرج من البيت فتتبعك دعوات بالعودة سالماً، ترتدي قميصاً ملوناً فتتهم بالتصابي، تكتب قصيدة الحب فينصحك احدهم بان تكتب قصيدة بحب أهل البيت، يقول:" تنفعك في قبرك" !!! تسافر الى بلاد الآخرين، وتمكث الاسبوع والاسبوعين والثلاثة، ثم ينتهي موعد تأشيرة دخولك، وتنفد نقودك، فتقفل عائداً، لترى كل شيء على حاله، تبحث في شاشة العرض عن خبر للسرور فتفاجأ بجثة أحدهم على الاسفلت.

خُلقتَ من حروف وكلمات وموسيقى. ومنذ أن استقامت خطاك على الأرض، اخترت السكن بين الانهار والظلال، تحتفي بالشجر والماء والطير، ترى ماذا تفعل اليوم، وفي كل لحظة تسقط في فضاء روحك نخلة، ويُردم في قاع قلبك نهر. لا تقوى على شتم جرّافة، ولا تجرؤ على مصايحة أحدٍ، كلهم ذهبوا الى أحزاب الإسلام، أطالوا اللحى، واقتنوا الخواتم والمصاحف، واستأسدوا بالبنادق والمسدسات، إلا أنت، ما زلت على دينك القديم، تسمع فيروز في الصباح، وتقرأ كونديرا وباكوفسكي وماريو فارجارس يوسا وتأتي كأسك باكراً في الليل، تغلق على جسدك الغرفة، التي تسكن أقصى البيت، فيما روحك تظل هائمة، سائبة في الطرقات، تتقلب في المدن النائية، في الحانات التي على البحار، هناك حيث لا أحد يمسك بلك متلبساً بشيء.

يقول لك ت. س اليوت:" ليس لك شباب ولا شيخوخة بل كما لو كنت في قيلولة بعد الظهر وحلمت بكليهما" هكذا أنت والله، كل ما كان لك في الشباب لم يعد، وكل ما تنتظره في الشيخوخة لن يتحقق. كل عضلة في عنقك توجعك، وكل خطوة في قدمك لم تعد لك، أنت تحلم لا أكثر. تحلم بهزيمة الاسلام السياسي، ووضع نهاية للدم في الشاشة الكبيرة، فيما التاريخ يمسك عنك بعنان فرسك في الساحات، فيما المناهج ما زالت تتحدث عن حروبك في بدر، وعن خلافك مع صاحبة الجمل، ويطالبونك بموقف صريح، أقله دمك عما وقع على الفرات سنة 60 للهجرة، هكذا، عليك أن تصطف مع جمعهم، فهم ما زالوا بانتظار ما يقوله السيد الكبير في خطبة صلاته، وماذا سيقول؟ أبعد كل ما قيل وكتب ودرس وتُصُفحَ؟

أنا وأنت مِزقٌ في كتاب لا يستقيم له معنى، خربشة على حائط من الطين، فلا تحدثني عن أغنية لفيروز لم أسمعها من قبل، ولا عن بيت قديم لامرئ القيس تذكرته، فما عدت عابئاً بشيء بعد ذلك كله .. فأنا أستل من روحي سيفاً لأقتل من كنتَهُ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram