علي حسين
ينقسم العراق الجديد إلى قسمين: واحد يعشق الأحزاب ويهيم غراماً بزعمائها الذين انتفخت جيبوبهم وأرصدتهم بعد عام 2003، وآخر يعشق العراق ويرفض أن يُدجّن، ويحتقر الطائفية المهيمنة على مقدّرات البلاد.
وهناك بين هذا وذاك مَن يسمّى بالأغلبية الصامتة التي تذهب للانتخابات ليس حبّاً بفلان أو كرهاً لعلّان، لكنها تخاف على رزق أطفالها الذي يتحكم به "مجاهدو" العراق الجديد، الذين يتناسلون يوماً بعد آخر، في ألوان جديدة وطبعات أخيرة، ليس آخرها بالطبع عبد الكريم خلف الذي أخذ في الأشهر الأخيرة يصول ويجول بين الفضائيات، من دون أن يسأله أحد ماذا تريد؟ سيتّهمني البعض بـ"العبط"، فهل يجرؤ أحد مهما علا شأنه أن يسأل ببغاء الحكومة : من أنت وماذا تفعل ؟ سيُتّهم بالخيانة حتماً، وسيوضع اسمه على قائمة "أبناء السفارات" ويلصق به لقب "جوكر"، أليست أحزابنا العتيدة ومعها الحكومة الرشيدة، كانت قد قررت قبل سنوات وفي لحظة تاريخية مهمة أن صواريخ واثق البطاط وحدها يمكن أن تؤسس لعراق تعددي؟ وأن العناية بـ"بوتكس" عالية نصيف هي التي ستحمل السرور والحبور إلى هذه البلاد ؟!.
أعذروني فأنا في مرّات كثيرة لا أعرف ماذا أقول أو أكتب حين أقرأ أو أشاهد مواطنا عراقيا يعشق بلاده ويفضلها على عواصم الدنيا، هل أبكي على الوطنية العراقية التي أصبحت تهمة؟، أم أصمت من شدّة الكآبة والحزن؟، قبل أيام كنت أشاهد العراقي قحطان داوود خياط يتحدث من على إحدى القنوات الأوروبية عن العراق.. ولمن لا يعرف العم قحطان فهو واحد من أشهر أصحاب المطاعم في ألمانيا، غادر العراق قبل أكثر من نصف قرن بسبب الانقلابات الثورية، هناك عمل في شتى المهن غاسل صحون، عامل مطعم، ثم قرر أن يؤسس مطعمه الخاص به، ليقدم من خلاله الأكلات المتميزة ، من هم زبائن خياط؟ لا تندهش: المستشار الراحل هلموت كول الذي وحد ألمانيا ، العمة ميركل، عدد من رؤساء فرنسا وإيطاليا واميركا ، غورباتشوف، رؤساء وزارات ووزراء كلهم يعشقون ما يقدمه لهم من أكلات متنوعة، لكن ماذا يعشق خياط ؟، يقول لمحاورته إنه يكره السياسة التي دمرت العراق، وهو يرتبط بالعراق من خلال الأكلات التي يفضلها على الطعام الأوروبي.. البامية والدولمة والتشريب.. بعد أكثر من خمسين عاما من الاستقرار والثروة والعلاقات مع كبار المسؤولين، يبقى عند العم قحطان حلم كبير: أن يزور العراق.. وماذا بعد ياعمنا؟.. يقول لمحاورته: تصدقين؟ أنا أتكلم ألماني وإيطالي، لكنني في المنام أحلم بالعراقي فقط.. أحلامي باللهجة العراقية.. تخيل جنابك، البعض يعيش في العراق لكن أحلامه موزعة بين اللغة الفارسية والتركية واللهجة الخليجية.. فيما العم خياط يصر على أن الأحلام لا تكون أحلاما ما لم تكن بالعراقي.. وبالعراقي فقط.
جميع التعليقات 1
الحجيه. البصراويه
السلام عليكم . مايحصل في العراق كشف لنا حقيقة ان العراقيين ينقسمون الى فءتين اصيله وهجينه الأصيل يبقى اصيل والهجين في تردي بعد يوم .