د.قاسم حسين صالح
علاقة الحاكم بالمحكوم تحكمها ما اصطلح عليه بـ( السلطة Authority) وتعني باللغة الانجليزية التأثير باستخدام القوة على مجموعة من الأفراد أو الجهات من خلال التحكم بإصدار القرارات النهائية على وفق مجموعة من القواعد القانونية.
وقد شغل موضوع السلطة علماء النفس والاجتماع والسياسة،نوجز أهم ما توصلوا اليه بما يمهد لفهم مشترك عن واقع حالها في العالم العربي.
يعرّف ماكس فيبر (السلطة) بأنها الفرصة المتاحة للقادة حتى تخضع لهم مجموعة معينة من الناس،وإن ما يميز السلطة عن القسر والإجبار..هو الشرعية ،ويصف السلطة الشرعية بأنها تلك التي يرى الحاكم والمحكوم أنها مشروعة ومبررة،ويقسّمها على ثلاثة:
السلطة العقلية القانونية التي تستمد شرعيتها من القواعد الرسمية والقوانين المعمول بها في الدولة وتمارس صلاحياتها وفق الدستور،والسلطة التقليدية وتستمد قوتها من التقاليد الراسخة والهياكل الاجتماعية،والسلطة الكارزمية وتستمدها من قائد بقدرات استثنائية يضفي على نفسه صفات التفرّد والإلهام والموهبة الإلهية،ويضفي عليه الآخرون صفات البطل فيطيعونه ويتبعونه تماهياً به أو خوفاً منه لتمتعه بصلاحيات تفوق صلاحية السلطتين التقليدية والعقلية القانونية..ويدخل ضمنها سلطة الأمير بمفهوم ميكافيللي الذي يبيح لنفسه استخدام المكر والخديعة.
ويتفق المفكرون(ميشيل فوكو،توماس هوبز، جون لوك، جون جاك روسو...)،على أن السبب الرئيس لضرورة السلطة هي حاجة الناس إلى قوة يخضع لها الجميع تكون المرجع والحكم الذي يفصل بينهم ويضمن حقوقهم ويقر لهم بالواجبات،ويجنبهم الصراعات القائمة على التصفية والإقصاء للتفرد بملكية شيء ما.ويخالفهم الرأي كارل ماركس الذي يرى أن جوهر ظهور السلطة اقتصادي خالص ناجم عن انقسام المجتمع إلى طبقات،فيما يرى ابن خلدون أن (العصبية) في العلاقات الاجتماعية هي أساس قيام السلطة،وأنّ القوانين السياسيّة الدينيّة أكثر نفعاً؛لأنّها الأحرص على تسيير أمور الناس الدنيويّة والأخرويّة كما يرى.
وفي كتابه" تاريخ العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيّام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"،يقسّم بن خلدون القوانين السياسية التي تحكم الناس على ثلاثة:
1 ـــ قوانين تعتمد السياسة العقليّة: يكون اهتمامها أمور الدنيا..تخضع لغايات الحاكم المستبدّ،وتقدّم مصلحته على مصالح العامّة.
2 ــــ قوانين تعتمد السياسة المدنيّة: وهي ما يطلق عليه الحكماء(المدينة الفاضلة)،لكنّها سياسة خياليّة بعيدة المنال ومذمومة عنده؛لأنّها تعتمد على الفرد،وتبتعد عن إرادة الحاكم صاحب السلطة.
3 ــــ قوانين سياسيّة دينيّة: أي الحكم بشرع الله (الإمامة والخلافة).
وترتبط السلطة بمفهوم القيادة التي تستخدم نوعين من القوة:حقيقية تتمثل في السجن،الأذى الجسدي،الأغتيال..،وقوة خفية أو وهمية توحي للفرد بجبروتها فينصاع لما تطلب.
وينبغي التفريق بين "السلطة" و " التسلط"..فالسلطة بالمفهومين الفلسفي والأخلاقي ،ضرورة اجتماعية(لتنظيم أمور المجتمع)،وضرورة نفسية(لتحقيق الشعور بالأمن)،وضرورة أخلاقية (لتحقيق العدالة الاجتماعية)..وبها تكون مشروعاً تمارس بموجبه القوة لا " التسلط" لاقرار ما وجدت لأجله،فيما يتضمن مفهوم التسلط معاني:الظلم،القهر،الأكراه ،التشدد،والعنف.
وتُعدّ السلطة غير مشروعة في حال استخدامها للإجبار،والإكراه،والعنف أثناء تعاملها مع الناس،وخصوصاً في حالات الحروب التي تسيطر فيها السلطة العسكرية على المجتمع الذي تحتله،فتخضع الأفراد والمؤسسات لسلطتها،وهذا ما يُخالف القانون الدولي العام؛لأنّ أساس السلطة هو وجود شرعية لها يقرّها دستور يوجب عليها احترام الحقوق الإنسانيّة لجميع أفراد الشعب.
السلطة في العالم العربي ..مؤشرات لدلالات
كان العرب قبل الإسلام دولاً ومماليك ممتدة في الشام والعراق واليمن،ويعدّ الإسلام بداية تحول كبرى في العالم العربي الذي كان موزعاً بين دولتي الروم والفرس،لكنه شهد حروباً وصراعات نقدم عنها مؤشرات بإيجاز عبر أهم عصورها.
العهد الراشدي (632- 661م)
في الخلافة الراشدية كان انتقال السلطة يتم بالتشاور وإنْ كانت في عدد منها معقدة (ابو بكر) أو خلافة(عثمان)..ومع ذلك انتهت حياة ثلاثة منهم بالقتل (عمر،عثمان،علي)..وانتهى الصراع المسلح على السلطة بمبادرة من الحسن بن علي الذي تولى الخلافة بعد والده،ثم تنازل لمعاوية،ليتولى الأمويون الحكم.
العهد الأموي (661 - 750م)
يعدّ معاوية بن أبي سفيان هو أول من جعل الحكم وراثياً في تاريخ السلطة العربية والاسلامية،واستمرت الدولة الأموية تسعين عاماً حكم فيها 14 خليفة بدأت بمعاوية (21سنة) وانتهت بمروان الثاني بن محمد الذي قتل عام 750م.
العهد العباسي (750 - 1258م)
بدأت الخلافة العباسية بأبي العباس السفاح،وانتقلت لأخيه أبو جعفر المنصور،ومضت في ذريته،واستمرت دولة العباسيين خمسمائة سنة،في عصرين (الأول) ويبدأ بأبي العباس السفاح (749م) وينتهي بالمتوكل (847م) ومعظم خلفائه الأحد عشر ماتوا قتلا بضمنهم المتوكل الذي قتله أبنه!،وفيه قتل معظم أبناء البيت الأموي وكثير من قادة الأمويين وأنصارهم..والعصر الثاني ويبدأ بالمنتصر بالله ابن المتوكل( 847م) وينتهي بالمستعصم بالله (1258م)،حكم فيه 29 خليفة معظمهم انتهى قتلاً أو خلعاً آخرهم قتله المغول.
تقسيم العالم العربي الى دول
• (المغرب 789-926م) حكمها الأدارسة وقضى عليهم أمويو الأندلس.
• مصر وسوريا (868-905م) حكمها الطولونيون كانت فيها الدولة للأتراك (أحمد بن طولون بالأصل جندي تركي)واليونانيون انتهت بأن أعاد الخليفة العباسي بسط نفوذ الدولة المركزية.
• سوريا والجزيرة (905 – 1004م) حكمها الحمدانيون (قبيلة تغلب العربية) الذين اعتنقوا المذهب الشيعي ودخلوا بمعارك مع البويهيين ثم مع البيزنطيين.
• الفاطميون (909-1171م) ويدّعون انهم ينتسبون الى الإمام علي،أطاحوا بحكم الأغالبة ثم الأدارسة،وبنى القائد الفاطمي جوهر الصقلي مدينة القاهرة،وتعاونوا مع البيزنطيين لمواجهة السلاجقة،ثم انقسموا الى طائفتين،وانتهت الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين الأيوبي.
• وسط العراق (961-1150م) حكمه المزيديون الذين ينتمون لقبيلة بني أسد العربية التي تعتز بمذهبها الشيعي،استطاعوا البقاء في ظروف بالغة التعقيد ودخلوا بسلسلة من التحالفات والصراعات مع العقيليين والفاطميين والسلاجقة..وقضى عليهم العباسيون.
العهد العثماني (1281-1924م)
كانت الخلافة في الدولة العثمانية وراثية في خط الأبناء،ويطبّق فيها حالة غريبة إذ كان يقتل جميع إخوان السلطان أو يسجنون في أقفاص في القصر حتى يموتوا أو يخرج أحدهم من القفص ليصبح سلطاناً إذا دعت الحاجة لذلك.واستمرت الخلافة العثمانية إلى سنة 1924م وفيها ألغيت الخلافة وأقيم بدلاً عنها النظام الجمهوري العلماني..وكان آخر السلاطين العثمانيين هو السلطان عبد المجيد الثاني.