إياد الصالحي
لم تُشِلّ الرياضة العراقية طوال محاولات نهوضها ما بعد عام 2003 الى حالها اليوم مطلع عام 2020 غير "المحاصصة" الحزبية المتجذّرة في الحراك السياسي للبلاد في عملية تبادل الحقائب الوزارية ،
و"الأمية" الإدارية المتفشّية في عموم مواقع الرياضة التي ابتليت بشريحة من المنتفعين لا يفقهون من الألعاب بشيء ، وليس بوسعهم تطوير أنفسهم في دورات نوعية ، ولا يرغبون في الاستماع لنصح مخلص ، وظلّوا يتمادون في ضلالهم حتى سقطوا بالفضائح.
من طرفهم ، لم يستكن خبراء الرياضة والإعلام في التنبيه المبكّر عن خطورة إهمال التهافت الفوضوي للاستحواذ على مقدرات الأندية والاتحادات وصولاً الى المكتب التنفيذي للجنة الأولمبية ، بل طالبوا بالتشدّد في وضع معايير تحول دون طرق طارئ أي باب رياضي ما لم يحمل المؤهّل التخصّصي قبل الأكاديمي الذي يسمح له بالدخول بثقة وترحاب وتفاؤل في النجاح ، وبإمكانكم اليوم أن تجْروا استطلاعاً سريعاً في اتحاد ما تسألوا أعضائه عن مؤهلاتهم وخبراتهم والدورات الإدارية التي اجتازوها وطبيعة أعمالهم وما حصيلة تقييمهم السنوي؟ آمل أن لا تصدمكم النتائج!
كان ولم يزل للإعلام الرياضي دوره الفاعل في التركيز والتحذير لما سيؤول اليه واقع الرياضة بفعل سلوك طلاب المناصب ممّن اقتحموا مكاتبها بغير استحقاق بفضل قوى خارج حدودها ، ونتذكّر في هذا السياق التحقيق النوعي الموسّع والمتميّز للزميل الراحل حيدر عباس في مجلة حوار سبورت عام 2008 جمعَ فيه نخبة من الرياضة والإعلام ، الدكتور د.باسل عبدالمهدي ومؤيد البدري ود.ضياء المنشئ والراحل د.عبدالرزاق الطائي ود.حسين العميدي وعصام الديوان وشرار حيدر ، توزّع تمثيلهم المؤسساتي بين وزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية الوطنية والأكاديمية الأولمبية والاتحاد والنادي إضافة إلى الإعلام ، وبرع عباس في طرح اسئلته التي أثارت ضيوفه إيجابياً وراحوا يشخّصون عِلل الرياضة بصراحة متناهية صوّبتْ سهام الإصلاح بدقة منذ ذلك الوقت .. وكانت دروع المصالح جاهزة للصد!
خلاصة ما جاء في التحقيق الذي مضى عليه أثنا عشرة سنة ، إنّ رياضتنا لن تتعافى ، ستبقى مشلولة ، وأحلامنا في الإصلاح الرياضي تحوّلت إلى كابوس لما يحيط بوضعها من تداعيات ، نتخبّط بلا منهجية وبلا علمية وبلا مشروع ، نتصارع ونتقاطع مع سبق الإصرار! نحن في قعر الرياضة العربية ، بعد أن كنّا نتسيّد أكثر من عشر فعاليات رياضية منتصف السبعينيات ، ومع ذلك نحاول أن نخدع أنفسنا بأننا حققنا عدداً كبيراً من الميداليات في الدورات العربية ، وإن كان أكثرها لم يأت بسبب بروز الانجاز ويكفي الإشارة الى تسلسلنا 16 بين 18 دولة ظفرت بالميداليات في دورة مصر عام 2007!
هناك من يرى أن عقيدته الرياضية تكمن في العلاقة الوطيدة بين تطوّر ونجاح الرياضة عموماً في جميع البلدان مع تطوّر ونجاح "ألعاب القوى" لأنها متداخلة في أكثر من فعالية رياضية ، ولو جسّدنا هذا المبدأ على الرياضة العراقية سنجدها متأخرة كثيراً بسبب تراجع ألعاب القوى والدليل بعد سنوات من المجهودات والنفقات الكبيرة ومعسكرات التدريب غالباً ما يكون حجم مشاركتنا بفعالية ألعاب القوى بعدّاء وعدّاءة وفريق البريد!
لم تكن الأندية بعيدة عن مسبّبات الخط البياني النازل لأغلب الألعاب كون انديتنا جميعاً مُعدَمة وغير قادرة على التطوّر وترزح تحت وطأة عقبات كثيرة تحول بينها وبين بلوغ منصّات التتويج على الصعيدين العربي والآسيوي ، ما ينعكس بكل الأحوال على واقع الرياضة المحلية ، لأن الأندية هي النواة الفعلية لها ، ترفد المنتخبات باللاعبين والمدربين والكفاءات بشتى صنوفها ، وأول حلول الانتشال أن تبرم عقود الاستثمار إذا ما كانت تبغي التطوّر بعدما فقدت صدارة العديد من الألعاب ، وخلت من الإنجاز الحقيقي وأبطالها المؤقتين يتوارون عن الانظار بعد كل مشاركة خارجية ، باستثناء كرة القدم التي حفظت ماء وجه الرياضة العراقية.
ترى ، كم سنة ننتظر لنرى تطوّر الرياضة الشامل من دون انتقادات لاذعة بوجه حق كالتي ضمّنها تحقيق حيدر عباس من صميم الواقع ولم يكترث لها مسؤولو المؤسسات الرياضية؟ هل سيبقى الوسط مزدحماً بفضائح رياضية وغير رياضية على وقع المأساة الأولى اختطاف احمد الحجية رئيس اللجنة الأولمبية 15 تموز2006 ، وحل تنفيذي الأولمبية بالقرار الحكومي 184 في 20 أيار 2008 ، ومقتل محمد عباس مدرب فريق كربلاء 23 حزيران 2013 ، وحل اتحاد كرة القدم بقرار (كاس) في 18 تشرين الثاني 2013 ، واصلاح الأولمبية بالقرار الحكومي 60 المعدل بـ 140 لعام 2019 وأخيراً حبس د.صباح محمد رضا وستار زوير لمدة سنة بدءاً من 24 أيلول 2019 بتهمة تزوير قرار انضباطي يتضمّن معاقبة عدنان درجال في قضية حرمانه من دخول انتخابات اتحاد كرة القدم؟ هل ننتظر طويلاً أم تصطلح شؤون الوزارة والأولمبية إذعاناً لحرمة القانون العراقي والميثاق الدولي؟!