طالب عبد العزيز
في مطلع قصيدة أحمد عبد المعطي حجازي(مرثية لاعب سيرك) يقول “في العالمِ المملُوءِ أخطاءَ مُطالَبٌ وحدَكَ ألا تُخْطِئا لأنَّ جسمَكَ النحيلَ لو مرةً أسرعَ أو أبطأَ هَوَى…وغطَّى الأرضَ أشلاءَ!"
تذكرت القصيدة هذه، وأنا أعاين واتابع عن قرب دأب أثنين من أصدقائنا الأدباء، هما (الحاج طه أبو علي) و(ناظم المناصير) وهما على أعتاب السبعين، وقد تبدو مفردة (دأب) قاصرة هنا، أو إنها لا تمنح المعنى الذي أريده حقه، لكنني، أقف بأجلال وأنحني للروح الصادقة، المخلصة وللجهد الانساني النبيل، الذي يبذلانه دونما منة أو تكليف من أحد. اثنان خلقا للجمال وحسب.
لم التقِ بأحد منهما يوما إلا ووجدت الابتسامة فارعةً على وجهه، ولم أسأل أحدهما عن شأن من شؤون الحياة إلا وكانت عندهما الإجابة والحل، ولم أدخل مجلساً للفرح أو للعزاء إلا ووجدتهما أمامي، معنيين بالمناسبة. بدشداشة بيضاء مع عقال يضعه على الغترة البيضاء أيضاً، وفي هيئة بهيةٍ وبسيطة، لا تُحرجُ أحداً يدوّن الحاج (طه ابو علي) على صفحته بالفيسبوك أخبار الأسر في أبي الخصيب، حياتهم ووفياتهم وأشجارهم وأنهارهم وسككهم، ما ظل منها وما انقطعت أخبارها، يحتفل بالمناسبة السعيدة وكأنها تخصه، ويشارك مجلس العزاء حتى يصعب التفريق بينه وذوي المصاب. ابو علي تولد 1945 وعمل في التعليم الابتدائي، وتقاعد منذ سنوات ايقونة بصرية بحق، أمثولة للجمال والإناقة، في عالم ماديٍّ، مضطرب يسعى فيه الكل الى جني المال والوجاهة والتنابز بالثياب والمناصب.
ستكون الأبجدية وربما العمر شفيعاً لي في تقديم الحاج (طه ابو علي) على ناظم المناصير، حيث يصعب التقديم والتاخير بين دلالتي الخير واللطف والانسانية، لكنَّ لابد من القول بانَّ ناظم المناصير، الاديب، القريب من قلب كل من التقاه، الذي مازال يصرُّ على الاحتفاظ باناقته البصرية المميزة، فهو لا يغادر بذلة الوظيفة الجامعية إلا ما ندر. الرباط الملون، والحذاء الاسود، وتسريحة الشعر مع حزمة الكتب والاوراق. يستوقفك في سوق الكتب (شارع الفراهيدي) وفي اتحاد الادباء والبيت الثقافي ليمنحك العذوبة بابتاسمة واحدة، هناك حيث تجده حاضراً أبدياً، مدوناً ومصوراً وناشراً وموثقاً لوقائع الجلسات التي تقيمها الجهات الثقافية على طول البصرة وعرضها، يحفظ عنك اسماء كتبك، ويحدثك عن حبه لك، وتقديره لجهدك، ويوماً إثر آخر تزداد ثقتك بنفسك، فهو لا ينفكُّ يدعوك ويحرضك على الكتابة، وإن غبت عنه فاجأك في بيتك زائراً.
قد تبدو السطور هذه شخصية جداً، ولا تنفي وجود الكثيرين من أمثال (طه وناظم) في البصرة والعراق والعالم، لكنني أكبر فيهما روح الحضور والاحتيال على الصحة والوقت في صناعة الخير، وإشاعة الجمال دونما منفعة ومكافاة من أحد، هذه الاستقامة ( استقامة لاعب السيرك) لا يقدر عليها إلا الكبار. الابتسامة في عالم يتجهم ويتوحش فعل لا يقدر على الاتيان به إلا من ترفع قلبه عن البغضاء والكره والطمع، نحن بحاجة الى مثل هؤلاء الناس، لا تقل عن حاجتنا للماء والهواء والطمأنينة، وحيث لا تكفي مني انحناءة واحدة، أنا أقبّل التراب الذي يطآنه بأقدامهما والله.
جميع التعليقات 1
Anonymous
نشكر من القلب للاستاذ طالب عبد العزيز على الاشادة وذكر هذين الرجلين ولا اضيف فهما فهلا كما قال وبدون زيادة اي حرف شكرا جزيلا باسم منتدى السياب الثقافي في ابي الخصيب