ثائر صالح
تنبّهت مؤخراً أنني لم أكتب عن الموسيقار والمنظّر الفرنسي العظيم جان – فيليب رامو (1683 – 1764) إلا بشكل غير مباشر منذ بدأت كتابة هذه الكتابات الأسبوعية القصيرة قبل عشر سنوات.
كان رامو أحد أوائل مؤلفي عصر الباروك الذين استمعت الى أعمالهم قبل قرابة 45 سنة، فقد حصلت على تسجيل ألبوم بأسطوانتين لعمله المتميز "قطع الهاربسيكورد في كونسرت" وهي خمسة أعمال للهاربسيكورد والكمان (يستبدل بالفلوت أحياناً) والفيولا دا غامبا (أو التشيلو) جلبه لي صديق عزيز معه من خارج العراق. تعلقت بالعمل الموسيقي هذا، وكنت أكثر من سماعه. شدتني إليه ألحانه الرقيقة الأثيرية والحوار الجميل المتوازن بين الأدوات الثلاث. موقع الهاربسيكورد فيها يكاد يكون متميزاً على خلاف المعتاد في ذلك العصر عندما كان دوره المصاحبة الصوتية وتوفير الأساس الهارموني للموسيقى.
كتب رامو هذه كانت القطع وهو على أعتاب الستين في العام 1741، وقتها وجّه كل اهتمامه لكتابة الأوبرات بمختلف أنواعها (أقصد الهزلية والدرامية والأوبرا – باليه الخ) حيث تمكن من الارتقاء بفن الأوبرا الفرنسية الى مراتب عالية، وأصبحت أعماله النموذج الذي سارت عليه الأوبرا حتى القرن التاسع عشر. وقد تعاون رامو مع فرانسوا ماري فولتير الذي كتب نصوص العديد من أعماله. كتبت قبل سنتين عن "عركة" المغنين الهزليين 1752 - 1754 التي ارتبطت كذلك برامو زعيم مؤيدي الأوبرا الفرنسية التراجيدية من جهة ومؤيدي الأوبرا الهزلية الإيطالية وبينهم الفيلسوف جان جاك روسو أحد أبرز وجوههم. وهذه ليست أول مرة يتصادم فيها الرجلان، فقد اتهم روسو رامو بسرقة موسيقاه في 1745. الحقيقة أن رامو كان من تسرق أعماله بسبب شهرتها وألحانها الجميلة. ونعرف أن ميشيل كورّيت (1707 – 1795) نشر كونشرتات اقتبست حركاتها أشهر الأعمال الموسيقية التي ألفها رامو، مثل الكونسرتات المذكورة أو مقاطع شهيرة من أعماله الأوبرالية.
جاء اهتمام رامو بالأوبرا متأخراً، فلم يتجه نحوها إلا عند بلوغه الخمسين، فأصبح أهم مؤلف اوبرا فرنسي. بذلك يكاد يكون نقيض روسيني الذي بدأ تأليف الأوبرا وهو صبي لكنه قرر التقاعد وترك التأليف في الأربعين من عمره بعد أن أنتج عدداً من أعظم الأعمال الأوبرالية.
لكن رامو لم يكن مؤلفاً موسيقياً بارزاً فحسب، بل منظراً كبيراً في علم الهارموني أثّر في أجيال الموسيقيين اللاحقة بشكل واضح. فقد ألف دراسة عن علم الهارموني وصدرت في 1722 تعتبر أساس النظرية الموسيقية الأوروبية الحديثة اليوم. كانت هذه الدراسة متأثرة بالفلسفة الحديثة والإنجازات العلمية الحديثة في الرياضيات والفيزياء، لديكارت ونيوتن. ولهذا أُطلق عليه لقب "نيوتن الموسيقى"، له الفضل الأول في تحويل نظرية الموسيقى الى علم. درس الكتاب الأول العلاقة بين النسب الموسيقية للتردد والهارموني، الكتاب الثاني تناول طبيعة وخصائص الكوردات، وهي المركبات الموسيقية (عزف ثلاث نغمات متآلفة أو أكثر في آن واحد). الكتاب الثالث تحدث عن مبادئ التأليف، والكتاب الرابع عن مبادئ المصاحبة الموسيقية.