TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أسبريسو: ما دواؤكم؟ ما طبّكم؟

أسبريسو: ما دواؤكم؟ ما طبّكم؟

نشر في: 22 فبراير, 2020: 07:18 م

 علي وجيه

وأنا أنظرُ للتاريخ الشيعي المعاصر خلال القرن الأخير، تعتصرني غصّة تجاه هذه الجماعة البشريّة، التي تمرّ بنكساتٍ تلو النكسات، التي ترتبطُ بنكساتٍ أعمق لا تكتفي بالقرن الأخير، لكن ما يعنيني هو أنّ هذه الجماعة حصلت على فرصة تاريخية منطقيّة، مثّلت نفسها من خلالها، بعد سقوط الديكتاتورية.

لكن ماذا حصل؟ وماذا تقدم هذه الطبقة الشيعية منذ مجلس الحكم حتى علاّوي وحكومته التي ربما لن تمر؟ مع أكداس الأخطاء المتتالية لعلاوي الكبير والجعفري والمالكي والعبادي وعبد المهدي، ومَن حولهم من "مشتقّات" السلطة، من أحزاب وفصائل مسلّحة وتشكيلات إضافية.

ما المشروع الذي يُمكن أن تطلقه هذه الطبقة السياسية، تجاه الجماعة المسحوقة في وسط وجنوبي العراق؟ مع استقرار المشروع الكردي إلى حدٍ كبير، وصعود المشروع السنّي بعد ترتيب أوراقه عربيّاً وأمريكياً؟ 

عرف السنّة خطأهم الكبير، المراهنة على الورقة المتطرّفة والمعاداة التي كانت نهجاً لسياسييهم بعد 2003، ويناور الكرد في مساحة تشبه مساحة دولة كاملة، بالتحرّك الدبلوماسي وكون محافظاتهم هي المحافظات الوحيدة التي تصلح للسكن البشري دون منغّصات، ومع صعود طبقةٍ جديدة سنّية شابة، لا تعنيها السرديّات التي أدّت إلى أن تكون المحافظات السنية حطاماً مخلوطاً بالجثث، وقبائل نصفها قاتلٌ ونصفها قتيل ونازح.

مع التلميحات التي تتحدث عن الإقليم السني، واللعب على ورقته في كلّ حين، ومع وجود إقليم كرديّ بفرض الواقع دون المسمّى، أنظرُ لخارطة العراق وهي مُجزأة، حتى أن جمل الجميع نفس الهويّة، وقالوا إننا في بلدٍ واحد، لكن الأمر على الواقع غير العاطفي مختلف جداً.

ومع صعود هذه المشاريع، تقدّم الطبقة السياسية الشيعية خلطة عجيبة لهذه الجماعة المقموعة، ابتداءً من قمع تظاهراتها منذ 1 من تشرين، وجعل المحافظات الشيعية مُخترقةً لنفوذ طهران، وغياب الدولة الواضح في كلّ التفاصيل، والارتكاس في الخلافات العشائرية، وتراجع المستوى الصحّي والخدمي، حتى لتبدو البصرة العظيمة مذبحةً لمرض السرطان دون وجود مركز تخصصي لهذا المرض الذي تسهم كثيراً في انتشاره عملية صناعة النفط واستخراجه.

علاماتياً وثقافياً، لا تصدّر الشوارع الشيعيّة ملحوقةً بالطبقة السياسية سوى مشاريع الموت، بمختلف صنوفها، ولشتّى القضايا المصيرية والهامشية، تتكدس صور الشارع بالشهداء، حتى يصل الأمر إلى أن الشاب الشيعي يتعامل بعدميّة واضحة لأنه لم يتذوّق حياةً ليخاف عليها ويدافع، والطريق الوحيد للعيش صار الانخراط بالمشاريع المسلّحة، قواتٍ أمنيةً وفصائل، والبروباغاندا المسلّطة على رأسه هي امتداح الموت والتغنّي به، ليحيا الشابُ الطهرانيّ بكرامة وأمان! 

لا مشروع حياة تقدّمه السلطة الشيعية لأبنائها، ولا شوارع نظيفة أو مستشفيات مُعدّة لاستقبال البشر بأبسط الحالات، ما يمتلكونه هو الموت، والدفع بهم إلى المحارق، وقتلهم إن أراد منهم أحدٌ وطناً، التشكيك والاتهامات تحاصرهم من إعلام هذه السلطة، والطريقة الوحيدة ليسلم رأس هذا الشاب، أن يستهدف شاباً آخر، حتى بدا هؤلاء الشباب بئراً معطلة أمام قصورهم المشيدة، جيوب فارغة، وقلوب مكلومة، ويأس يكفي لقارتين.

في حين تبدأ المحافظات السنّية بالتعافي، وهذا ما يفرح كلّ وطني، وتستمرّ المحافظات الكردية بالازدهار، يتناهى إلى بيت في التجاوز، معلّقة عليه صور الأئمة، فيه امرأة عجوز منهدمة ثكلى، وأرملة صغيرة السن، مع جوقة أطفال، نشيد "نحنُ لا نُهزم، ومنّا عطاءُ الدمْ"، العطاء الذي ما توقّف لحظة منذ 14 قرناً لهذه الجماعة، دون أن يظهر قادة يقنعون هؤلاء الشباب أن بإمكانهم الحياة عوضاً عن الموت المستمر! 

تأتي في ذهني غضبة عليّ في الكوفة، قبل قرون، والقومُ أبناء القوم: "أَصْبَحْتُ وَاللهِ لا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ، وَلاَ أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ، وَلاَ أُوعِدُ العَدُوَّ بِكُم. مَا بَالُكُم؟ مَا دَوَاؤُكُمْ؟ مَا طِبُّكُمْ؟ القَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ، أَقَوْلاً بَغَيْرِ عِلْمٍ! وَغَفْلَةً مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ! وَطَمَعاً في غَيْرِ حَقٍّ".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram