د. فالح الحمراني
تتابع موسكو باهتمام التطورات في العراق، وتقيمها في إطار رؤيتها للأوضاع المتأزمة في المنطقة سواء في اليمن أو ليبيا أو سوريا وغيرها من المناطق الساخنة.
ومثل موقفها من الأوضاع الأخرى، فان موسكو الرسمية رغم القلق الذي تبديه لكنها لم تعلن بصراحة دعمها لهذه الطرف أو ذلك في المواجهة بين جماهير انتفاضة تشرين والحكومة، أو بالأحرى النخب السياسية الحاكمة وأحزابها. وتكونت الى جانب الموقف مقاربة الخبراء الساعين للكشف عن خلفيات الانتفاضة وآفاقها وتأثيرها على مستقبل العملية السياسية، وأساليب السلطة لإحباطها بالقمع والقتل ورصد القوى الذي تمارسه.
وقال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في مؤتمر صحفي عقب المباحثات التي أجراها في 19 شباط مع نظيره الأردني أيمن الصفدي:" لقد رحبنا بالخطوات التي جرى اتخاذها في العراق للتغلب على الأزمة السياسية الداخلية. وأصبح تشكيل حكومة جديدة نتيجة للحوار بمشاركة جميع القوى السياسية والجماعات العرقية والدينية في هذا البلد، خطوة مهمة للغاية. سوف نستمر في دعم حركة أصدقائنا العراقيين نحو استقرار الوضع. بالطبع، إن أي تدخل خارجي هنا، غير مقبول".
ومن دون شك إن روسيا تتطلع رسمياً الى أن يسود العراق الاستقرار والوفاق الوطني، وحل المشاكل المتراكمة من خلال حوار وطني واسع بمشاركة القوى السياسية والعرقية والدينية من دون استثناء. إن مثل هذا التطور يصب أيضاً في مصالح روسيا نفسها، التي تتطلع الى تطوير التعاون الاقتصادي والاستثماري والتقني العسكري وفي غيرها من المجالات الحيوية، مع العراق. وتأخذ موسكو بعين الاعتبار العلاقات طويلة المدى بالعراق. وتدرك أنه من المستبعد تحقيق تلك التطلعات من دون استقرار. بالإضافة إلى ذلك، ففي الوقت الذي تطور روسيا علاقاتها مع العراق، ثاني أكبر عضو في أوبك ، فإنها ترغب في البدء في استثمار حقول النفط. فعلى الرغم من الاحتياطيات الضخمة من المواد الخام (حوالي 235 مليار برميل من النفط) ، فإن صناعة النفط في العراق غير متطورة للغاية. وضمن هذا السياق تم الإعلان في الأسبوع الماضي عن استثمارات بقيمة 20 مليار دولار من الجانب الروسي. وبالتالي ، فإن مجال المصالح الروسية آخذ في التوسع، والقواعد العسكرية في سوريا، التي تم تمديد وجودها المحتمل منذ 49 عاماً آخر ، يجب أن تضمن سلامة المشروع.
وفي حديث ل "وكالة أنباء نوفستي" قيم السفير الروسي في العراق مكسيم مكسيموف الوضع الحالي في العراق بانه "صعب حقًا". ولاحظ ان : المظاهرات المناهضة للحكومة التي بدأت في 1 تشرين الأول من العام الماضي هي أطول وأكبر احتجاج شعبي في تاريخ البلاد على مدار المائة عام الماضية. وأضاف : يجب الاعتراف بأنه بعد عام 2003 ، تراكمت الكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الحادة التي تتطلب حلاً سريعاً. مشيراً إلى البطالة ، وخاصة بين الشباب. "وفقًا للمنظمات الدولية ، يتجاوز مستواه في هذه الفئة من السكان 60 بالمائة". ولاحظ : إن معظم المحتجين هم من الشباب والطلاب وحتى تلاميذ المدارس الذين يشعرون بالقلق بشأن مستقبلهم، في المقام الأول مسألة العمالة. في العديد من المحافظات ، يكون الوضع صعبًا مع القطاع الاجتماعي والطاقة وإمدادات المياه.
تدابير الطوارئ مطلوبة الآن من السلطات.
وحسب تقدير مكسيموف لا تنعكس الأزمة الحالية في البلاد على أفضل وجه في التعاون الثنائي مع العراق. منوهاً بأنه ، تم تأجيل عدد من الزيارات الهامة للوفود الإدارات إلى موسكو وبغداد ، وكذلك رجال الأعمال. وتم تأجيل زيارة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي ورؤساء بعض اللجان البرلمانية إلى العراق هذا العام. بناء على ذلك فالجانب الروسي مهتم بتولي الحكومة مهامها في أسرع وقت ممكن. علاوة على ذلك ، من المقرر عقد الاجتماع التاسع للجنة الحكومية الروسية / العراقية حول التعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني في موسكو. فهذا هو واحد من أهم الأحداث الثنائية السنوية التي يشارك فيها رؤساء الوزارات ذات الأهمية الاقتصادية ، فضلاً عن ممثلي قطاع الأعمال. تم عقد الاجتماع الأخير في بغداد في أبريل 2019 ، برئاسة نائب رئيس الوزراء يوري إيفانوفيتش بوريسوف ووزير خارجية جمهورية العراق محمد الحكيم. نعمل حالياً على إعداد عدد من الاتفاقيات الثنائية المهمة ، والتي يجب أن تعطي دفعة كبيرة لتطوير التعاون الروسي العراقي ، بما في ذلك في مجال النقل والنقل ، وكذلك الإلغاء المتبادل لمتطلبات التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخدمية والخاصة.
الى جانب التقييم الرسمي المعلن للتطورات المرتبطة بانتفاضة تشرين والحراك السياسي ثمة مواقف غير رسمية. وجاء في تقرير تقيمي لمعهد الشرق الأوسط: إن النخب الحاكمة في العراق ، وهي: الممثلة بالمراكز الدينية وطيف الأحزاب الأكبر بأكمله ، ومن التحالف الموالي لإيران وحتى الوطني الشيعي والتحالف السنّي ومجموعة المدراء المحترفين في كلا فرعي السلطة، جميعهم ،غير قادرون ولأدنى حد على إعادة هيكلة عميقة لنظام الإدارة. وأرغمت حكومة عادل عبد المهدي على الاستقالة ، تحت ضغط حركة الاحتجاج، وبعد أن تلقت تعليمات مباشرة من الولايات المتحدة ، لكبح جماح ميولها لحزبية حزبه والطائفية. إنهم غير قادرين على ذلك حتى الآن، بعد بداية الفترة الانتقالية، والحد الأقصى الذي يدور الكلام عنه هو إعلان استقلالية الوزراء المؤقتين عن النفوذ الحزبي. وهو بالطبع كلام ديماجوجي وتدنيس.
من ناحية أخرى ، فإن مظاهرة الاحتجاج في الشوارع، التي تشكلت تحت تأثير استشراء الفساد التام للسلطات، وعجزها شبه الكامل عن مواجهة التحديات الاجتماعية الأولية والمشاكل اليومية، غير متجانسة للغاية. وترى هدفها في إقامة نوع من الحكم العادل بقيادة ممثلي الشرائح الاجتماعية، وهذه الرؤية لا تمت بأي شكل من الأشكال بصلة بالنخبة الحالية. وتعيد الأذهان الى أنها تتراوح بين النظام الأناركي (الفوضوي) والجماهيرية التي اعلنها نظام الحكم في ليبيا في عهد معمر القذافي. وغني عن القول إن وجهات نظر رؤية الشارع العراقي الطوباوية (المثالية) حول إصلاح الإدارة العامة، أبعد عن التحقيق، من التدابير التجميلية للجماعة الحاكمة الحالية.
ذلك فإن كل هذا التصميم المؤقت منذ البداية لا يفي بمهمة إعادة بناء الدولة العراقية بصورة جذرية ، وهو انعكاس عن رغبة الأطراف المتحاربة إلى تحقيق مصالحها المتناقضة، وبالتالي هو غير قادر على إرضاء هذا وذاك. إن حكومة علاوي المؤقتة تنطوي على قاسم مشترك واحد لمصالح الأطراف، يتمثل بالاستقلالية المزعومة للوزراء عن نفوذ الأحزاب والكتل. بالإضافة إلى ذلك، ففي كل المتنافسة التيارات، هناك العديد من التناقضات الداخلية والصراعات التي يمكن في أي وقت أن تنسف عمل مجلس الوزراء مرة واحدة، أو البلوغ بها إلى الاستقالة. بالإضافة الى ان مطالب علاوي الأساسية بشان صلاحياته وإمكانية تدخل هيئات الرقابة كالمحكمة العليا، التي يمكنها الطعن في أي جانب من جوانب العمليات الجارية، تكشف لنا ان التصميم الجديد، بحيث يمكن تقدير الإطار الزمني الأقصى لما يحدث ،إسبوع واحد.