TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: المثقف المنتج المكتفي بشغفه

قناديل: المثقف المنتج المكتفي بشغفه

نشر في: 29 فبراير, 2020: 06:38 م

 لطفية الدليمي

الإبداع الحقيقي لايقترن إلا بالنفوس الهادئة المكتفية بشغفها: هذا ماتعلّمته من خبرة عقود في الحياة والكتابة، وأراني كلّما قرأتُ نصاً أو كتاباً مترجما للدكتور ( علي عبد الأمير صالح ) أجد ما يعزّزُ قناعتي السابقة. فهو الهادئ حدّ الإختفاء والمثابر الشغوف بعمله حدّ الزهد بما عداه ، ولاعلامة تنبئ عنه سوى أعماله تأليفاً وترجمة . 

بمتعة كبيرة قرأت سيرة ( فريدا كاهلو ) التي نشرتها ( دار المدى ) أخيرا وترجمها الدكتور ( علي عبد الأمير صالح ) ترجمة أنيقة ودقيقة معززة بالهوامش التي أغنت السيرة بالشروحات والإحالات والتعقيبات المهمة. وقد أعادتني هذه القراءة الممتعة إلى ترجمات أخرى مهمة لعناوين بارزة في الثقافة العالمية أنجزها الدكتور علي في مقدمتها رواية العمى لساراماغو ورواية في أميركا لسوزان سونتاغ ودلتا فينوس لأناسيس نن ورواية طبل من صفيح لغونتر غراس وجبل السحر لتوماس مان، مما يشير إلى الدور الثقافي المهم الذي يقوم به طبيب الأسنان والروائي والناقد والمترجم على عبد الأمير صالح الشغوف بعمله حد التفاني .

كم لدينا من المثقفين المنتجين الكبار الذين أغنوا مشهدنا الثقافي بنصوصهم وترجماتهم القيمة لكنوز عالمية وقدموا خلاصة جهودهم للقراء غير معنيين بالتنافس المحموم والسعي وراء الشهرة التي ينالها مترجمون أقل إنجازا وأهمية على المستوى العربي .

معرفتي بجهود الدكتور ( علي عبد الأمير صالح ) ليست حديثة العهد ؛ فقد سبق لي بحُكم عملي في المجال الثقافي، أن أطلعت على بواكير نتاجه الأدبي عندما كنت أعمل في مجلة الطليعة الأدبية ثم مجلة الثقافة الأجنبية، وعرفت فيه الدأب والهدوء وعدم إستعجال النشر، ولعل تدريبه العلمي وتكوينه المهني - ربما- قد ساهما في تعزيز خصائص الهدوء والتفكّر والإنجاز المتأني لديه وساعدا بهذا القدر أو ذاك في ترسيخ رصيده الثقافي والترجمي خلال العقود الثلاثة الماضية التي عمل خلالها بهدوء الزهاد الذين يقدمون عطاءهم بتفانٍ يستحقون عليه التقدير والتوقير . 

يُعرَفُ عن الدكتور ( علي عبد الأمير ) خصائص أولها ولعه بالمطوّلات من الأعمال الترجمية التي تتطلّبُ جلداً ومصابرة ( من أمثال رواية " طبلٌ من صفيح " و " جبل السحر " للروائي الألماني توماس مان ) و ثانيها شغفه بترجمات تتقلّب بين أقصى المديات المعرفية ولاتتحدّد في جانب معرفي ضيق النطاق ذي لون واحد؛ فهو يترجم الروايات والسيرة والدراسات الثقافية والمصنفات السياسية ( الأقرب إلى الأعمال التوثيقية ) والنقاشات الحوارية فضلاً عن أعماله الإبداعية الخاصة في ميدان الرواية والقصة القصيرة . ثالث هذه الخصائص هو الإنضباط الصارم في هيكلة النص وإخراجه وإثرائه بالهوامش والإيضاحات التعريفية التي تشكّل إضافات ممتازة للنص المترجم بحيث تغدو كلّاً واحداً عضوياً متماسكاً لدعم قوة النص وسطوته المعرفية لفائدة القراء المعنيين . 

يرى الدكتور ( علي عبد الأمير ) في الأدب مسعى خلاصياً على الصعيدين الفردي والجمعي، وأجدني متفقة معه في هذا التعريف للمسعى الأدبي النبيل، وأحسبُ أنّ كلّ المناشط المعرفية التي يعمل في فضائها المشتغلون في عالم الفكر إنما هي مناشط يحفّزها حسّ متسامٍ بعيد عن كلّ الأطماع الدنيوية المعروفة . 

الدكتور ( علي عبد الأمير صالح ) شخصية ثقافية عراقية، مفعمة نبلاً وهدوءً والتزاما بالعمل الجاد المتصل ومن غير ضجيج في عالم صخّاب تعلو فيه فقاعات زائلة ؛ وهو لأجل كل ماسبق يستحقّ التقدير والإشادة فضلاً عن قراءة أعماله الممهورة بختم صناعته الماهرة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram