علي حسين
هناك نوع من التصريحات، تثير الاستغراب بقدر ما تثير الضحك، وغالباً ما تأتي هذه الكوميديا بأخبار من نوعية ما قاله رئيس السلطة التشريعية في العراق محمد الحلبوسي الذي أخبرنا وهو مبتسم أن محمد توفيق علاوي تنقصه العشيرة في العراق،
ولهذا لا يصلح رئيسا للوزراء، وقبل أن يتهمني البعض بالدفاع عن رئيس الوزراء المكلف ، أحيل جنابك إلى المقالات التي كتبتها وأبديت فيها رفضي لطريقة اختيار علاوي رئيسا للوزراء. والطريف أن اللقاء التلفزيوني الذي تحدث فيه محمد الحلبوسي انتهى بشعارات عن حب الوطن وابتسامات يقلبها المشاهد ذات اليمين وذات الشمال دون أن يحل لغزها،لأنها تقول "إن ما ينقص رئيس الوزراء المكلف ليس الكفاءة وإنما عشيرة تسانده". أحاديث وحوارات تلفزيونية ومتاهات ستظل تلاحق المواطن المسكين من الآن فصاعدا باعتبارها فصلا جديدا من كوميديا أوسع وأشمل اسمها "عشيرة رئيس الوزراء".
في كل لقاء تلفزيوني يصر السيد الحلبوس على أن يستعرض أناقته، في المقابل يمارس قصفا متواصلا على عقول المواطنين، بكل أنواع أسلحة حرف الحقائق، كي نستغرق معه في الحديث الصاخب عن دولة العشائر التي نحن بأمس الحاجة إليها وننسى أن واجب رئيس مجلس النواب هو تكريس الجهود لإصدار تشريعات وقوانين تحافظ على هوية الدولة المدنية وتأسيس دولة المواطنة، فيما نرى يوما بعد آخر أنه مصرّ على أن العراق لن يستقر ما لم يضع كل مسؤول اسم عشيرته مع اسمه.
اعتقد العراقيون واهمين أن الخطر الأكبر الذي يواجه بلادهم هو الفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة، والمحسوبية والانتهازية السياسية وغياب الكفاءات وسرقة المال العام، لكن الحلبوسي فاجأنا في حواره التلفزيوني بأن أخطر ما يواجه الناس هو غياب عشيرة علاوي، وهي نكتة ربما تكون ثقيلة على سمع العراقي المسكين الذي تيقن بالدليل القاطع أن البرلمان لا يزال سجينا لأمزجة مسؤولين يخلطون السياسة بالكوميديا منذ سنوات.
يجب أن نأخذ دائماً في الاعتبار الفارق بين الأمم التي نشأت على ثقافة المواطنة، وتلك التي تصر على أن المواطن لا قيمة له من دون شيخ عشيرة. الفارق بين الحكومات التي تُحترم فيها الكفاءات وبين حكومة "العشائر"، مثل الفارق بين مجتمع حر، منتج، يحرص فيه المسؤول على تحقيق العدالة الاجتماعية، وآخر لا يملك شيئاً سوى اللقاءات التلفزيونية وإشاعة قيم الانتهازية والخراب .
دائما أعود إلى العجوز مانديلا الذي لم يخرج في لقاء تلفزيوني ليتحدث عن الظلم الذي لحق به، بقدر ما نراه في كل إطلالة باسماً يشيع من حوله روح التسامح والمواطنة الحقة .
تزدهر الأمم بقادة يصرون على إشاعة روح التسامح ، بينما نغرق نحن مع ساسة "الفضائيات" الذين لم يتوقفوا لحظة واحدة عن بث النكات الساذجة.