إياد الصالحي
لم يعد الحديث عن كرة القدم في أي بلد في العالم مجرّداً من المشاعر الوطنية ومنسلخاً من الانتماء الوجداني للوطن ، بل صار التفاعل مع أي منتخب أو نادٍ في بطولة خارجية يرتقي الى مستوى الحماسة المعنوية لأي جندي يتوق لحسم معركة التحدي ورفع علم بلده مثلما في الملاعب يظلّ هاجسُ اللاعب أن لا يعود منكسِراً وحاني الرأس أمام الجماهير ، بل مزهوّاً بفوزٍ يُبهج النفوس تعبيراً عن التضحية والتفاخر والرضا بإتمام الواجب مهما كان المنافس عربياً أم أجنبياً.
ثقافة الحماسة الوطنية هذه زادت عند بعض العاملين في كرة القدم بدرجات تفاوتت بين الحرص على سمعة الوطن كشعور بديهي لأي مواطن ، وبين إتخاذها كتبرير لإتهام الآخرين وتسقيطهم عندما يرتبط الأمر بنشاطهم الخارجي يُنزع عنهم صفة "الوطنية" تماشياً مع حرية الرأي ما بعد عام 2003 التي بلغت حدوداً خطيرة لدى البعض ممن لا يتورّع عن تخوين الناس والطعن في ذممهم وعدّهم عملاء وذيول ليس لـ"الأجنبي" فحسب يوم كانت هذه الصفات تصرُف الأذهان إليه ، بل فتحت العلاقات الخليجية المتوترة أبواباً لتكهّنات مُغرضة بأن قادة كرة العراق منحازون للسعودية تارة والى قطر تارة أخرى حسب مؤشّر بورصة المصالح الشخصية!
إن ضعف الدولة في تأخير تطويق أي نشاط لمسؤولي كرة القدم يتوقع أن يفجّر اتهامات لاحقة تلحق ضرراً بسمعة البلد يقف وراء تكريس ثقافة التخوين لدى عامة الناس ، فبعض العاملين في مؤسسات الرياضة كانوا يلجأون الى طلب مساعدة مسؤولين رياضيين خليجيين منذ التحوّل التأريخي لنظام العراق قبل 17 عاماً بعيداً عن التنسيق مع وزارة الشباب والرياضة أو اللجنة الأولمبية الوطنية اللتين كانتا طرفاً في خصومات عدة مع اتحاد الكرة وأسبغت أطر المجاملة علاقتهما أمام الإعلام لتفادي تفاقم الأمور ومواجهة العقوبات الدولية غير مرّة ، فأستمرأ الاتحاد في تصرّفاته المستقلة عن رأي الدولة وصدّق العبارة (بيتنا ونلعب بيه) كحالة استثنائية بين جميع اتحادات دول المنطقة التي تحكمها التشاورات والموافقات الرسمية مع حكوماتها قبل أن تقدم خطوة واحدة للاجتماع مع اتحاد شقيق ذي صلة بقضية وطنية.
لسنا بحاجة الى تبرِئة كرتنا الوطنية الأصيلة من حماسة محمد جواد الصائغ التي تضيّع عليه غالباً حكمته في وصف دقائق الأمور نتيجة الغبن الذي إصابه في حقبتي ناجح حمود وعبدالخالق مسعود وهو الأقرب لهما من غيره ، فالكرة العراقية المؤسَّسة عام 1948 لا يمكن أن تتستّر بـ(الدِشداشة) السعودية أو القطرية ، هذا وصف مُخجل ومُقرِف ويلحق العار بكل من يؤمِن بالانتفاع من علاقته الشخصية كرئيس اتحاد أو عضو أو أي صفة أخرى ضمن منظومة اللعبة على حساب كرامة وقيمة وعراقة اسم العراق ، كرتنا في (دِشداشتِنا) التي نزهو بها حتى وأن بدتْ مرّتقة من هنا وهناك بسبب مآسي الحروب المدمّرة ومشاجرات طائفية الاحتلال وتظاهرات الشباب المثقف دفاعاً عن حقوق فرص العمل وضد سياسة تبذير مليارات الدنانير التي يسمع عنها الشعب في نشرات الاخبار ولم يرَ مشروعاً واحداً على الأرض يضاهي ما تباهى به أبناء العقود الماضية.
الصائغ مطالب بتقديم اعتذار للوطن ولكرة القدم وللجماهير عمّا تركه وصفه المنفعل من آثار سلبية تحطّ من تاريخ انتمائه لخدمة اللعبة التي عُرف عنه وعن كثيرين منذ أول رئيس للاتحاد عبيد عبد الله المضايفي ، مدى اخلاصهم وولائهم للعراق ، وفي الوقت نفسه ندعو الصائغ الى كشف مغزى قوله في تبدّل (دِشداشة) اتحاد الكرة العراقي من السعودية الى القطرية ، ومن يدفع بالعراق العظيم ليكون تابعاً لهذا الاتحاد أو ذاك؟ أليس هو القائل (من يحجر على رأي الصائغ لم تلده أمه بعد)؟
الظاهر للرأي العام أن الاتحادين السعودي والقطري لكرة القدم لعبا أدواراً إنسانية ومهنية ولوجستية في دعم الكرة العراقية ما بعد عام 2003 بصورة استثنائية ، وفي مبادرات أشادت بها الحكومة العراقية قبل الاتحاد في غير مناسبة ، وما زالت مستمرة ، أما المخفي في (الدِشداشة) عن الرأي العام فالصائغ سيجيب ولن يخشى من قول الحق.