TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: العبودية المختارة والمواطن المستقر

قناطر: العبودية المختارة والمواطن المستقر

نشر في: 3 مارس, 2020: 07:56 م

 طالب عبد العزيز

يبدو أن الحال في شرقنا المتوسط يتشابه في كثير منه عندنا جميعاً، فقد توقفتُ طويلاً عند مقدم برامج مصري اسمه محمد ناصر في محاضرة كانت غاية في الأهمية من نوعها سماها المحاضر بـ (العبودية المختارة)

وهي عنوان كتاب لمفكر فرنسي اسمه (اتيان دي لافوسيه) كما يذكر المقدم، حيث يعرف العبودية هذه بقوله:" عندما يتعرض بلد ما الى قمع طويل تنشأ أجيال لا تحتاج فيها الى الحرية، وشيئاً فشيئاً تتواءم مع الاستبداد، ليظهر لدينا مواطن نسميه بـ( المواطن المستقر) وهذا الفرد تنحصر اهتماماته بثلاث أشياء لا غيرها. هي الدين –ولقمة العيش- وكرة القدم.

ويختلف مفهوم الدين عند المواطن المستقر عن الدين لدى عند المواطن الآخر، فهو لديه ممارسة طقسية لا علاقة لها بالحلال والحرام، أو الحق والباطل، إنما مجرد اداة للطقوس واستيفاء الشكل( الذقن والسبحة والثوب الديني) وهذه لا تنصرف الى السلوك أبداً، فهو يمارس الغش والتزوير والرشوة لكنه يشعر بالذنب فقط، إذا فاتته إحدى الصلواة أو لم يصم رمضان، أو لم يحضر مجلس عزاء ما. وعلاقته بلقمة العيش تنحصر بما في بطنه وبطون عياله، وهو لا يهتم بحقوقه السياسية، وقضايا مثل المواطنة والحريات والمستقبل لا تهمه، إنما تنحصر حياته في تنشئة أبنائه النشأة (الصحيحة) من وجهة نظره طبعاً، واكمال تعليمهم وتعيينهم في الدولة وتزويج البنات منهم، ومن ثم حج بيت الله الحرام، حيث يشعر بأنه أكمل ما عليه، وهو الآن مستعد تماما لملاقاة ربه.

وفي متابعته لكرة القدم ينسى المواطن هذا همومه، وتتحقق له توازنات نفسية غير قادر على ايجادها، وفيها يجد أشياءه التي حرم منها في حياته اليومية. فاللعبة تحقق له العدالة التي حرم منها، ولها قوانينها المعروفة، إذ خلال الـ 90 دقيقة يتعامل المواطن هذا مع الصح والخطأ ذلك لأن اللعبة تخضع لقواعد واضحة تلزم الجميع بمراعاتها وفيها يجد التعويض عما فقده في يوميه التقليدي. المواطن المستقر هو العائق الحقيقي بوجه كل تغيير، ولن يتحقق التغيير إلا عندما يخرج المواطن هذا من عالمه الضيق، ويتأكد أن ثمن السكوت على الاستبداد أفدح بكثير من عواقب الثورة ضده.

واللهَ نشهد، انَّ نسبة كبيرة من الأهل والأقرباء إنما يقعون تحت الوصف هذا(المواطن المستقر) وقد يختلف معنا بعضهم هنا وهناك، لكنهم يشتركون بذات الهموم(الدين ولقمة العيش وكرة القدم) والويل كل الويل لأحدنا إن حاججهم بالدين، أو في لا جدوى مشاهدة كرة القدم، أو أن طريقتهم في العيش غير صحيحة. وكلنا يتذكر حكاية الرجل الذي سُرقت سيارتُه من قبل عصابة للتسليب في البصرة، وكيف أنه ذهب الى بيت أحد أفراد العصابة، وبعد أن طرق الباب خرج له رجل شيخ، كبير في السن، عرّفَ نفسه بأنه والد اللص(السلاب)، ولما استعلم منه القصة، قال له الرجل الكبير: نعم، سيارتك لدينا، لكنَّ ابني ذهب للزيارة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram