علي حسين
لا أعرف عدد المرات التي قرأت فيها مؤلفات جان بول سارتر، قارئاً ومتمعناً في الدروس والعبر التي يقدمها لنا هذا الكاتب الذي كان يمنّي النفس في أن يصبح شاعراً، فالأدب أكثر خلوداً من الفلسفة، وكنت دائما أسأل نفسي من هو سارتر؟
هل هو المفكر الملتزم أم البوهيمي الذي قضى حياته يتنقل من مقهى إلى مقهى، أم المناضل السياسي الذي دافع بشراسة عن الجزائر وكوبا وفيتنام وذهب ليحاور جيفارا وكاسترو؟ هل هو الفيلسوف الذي كتب أصعب المؤلفات وأعقدها " الكينونة والعدم" أم كاتب المسرحيات التي حظيت بإقبال جماهيري كبير؟.
تذكرت سارتر وأنا أشاهد صور لتظاهرات يجبر عليها موظفون في دوائر وزارة الثقافة ، لكي يهتفوا بصوت واحد " لا بديل عن وزيرنا.. إلا وزيرنا"، طبعا من لافتات صرف عليها من اموال الوزارة تشرح لنا فوائد السيد الوزير .
كان ديغول محاطاً بالكاتبين أندريه مالرووفرنسوا مورياك. ولكن في الخارج كان سارتر يحارب ديغول ويسخر منه، مواجهة حادة بين عبقرية الفكر وعبقرية السياسة، كان فيها ديغول يحترم سارتر وحين أصبح الأخير رمزاً يلهب مشاعر الطلبة ويقود أعنف التظاهرات، ويوزع المنشورات ضد نظام الحكم، طالب عدد من القادة الأمنيين والوزراء باحتجاز سارتر، فردَّ عليهم ديغول بعبارته الشهيرة "لا أحد يمكن أن يضع فرنسا في السجن".
نقرأ سارتر فنرى كيف تتقدم الأمم ونحن في سبات . وإذا قمنا فلكي نجد محمد توفيق علاوي فرحا وهو يطالب بوضع واثق الهاشمي على رأس وزارة الثقافة، ثم يقرر في لحظة غضب من المعترضين ، الغاء الوزارة، فلا شيء أهم من سبات الجهل والتخلّف والطائفية .
ظل سارتر يرفع شعار " لا " لجميع أنواع الفشل والخراب، فقد ولد الإنسان حراً ليس من أجل أن يصبح رهينة لسياسي أحمق، أو مجموعة من ناقصي الخبرة والإنسانية.
كان العراقيون ينتظرون نهاية حقبة الدكتاتورية، كي يخرجوا إلى النور، فقد أرهقتهم الحروب العبثية، فإذا بهم يجدون أن الوطن يخطف من قبل ساسة مصرّين على أنهم الأوصياء على أحوال الأمة والعباد.
وأعود إلى فيلسوف الوجودية لأجده يخبرنا أن الخطر الحقيقي الذي يطيح بالبلدان هو الفشل والجهل، حيث تجد الناس أنفسها أسرى لأصحاب الصوت العالي، فيما الفاشل يصرّ على أن يبيع للمواطن أمجاداً زائفة .
هل قرأتم الخبر الأخير؟، وزير شؤون مركبات الفضاء كاظم فنجان الحمامي، صاحب مشروع أكبر مطار في الشرق الأوسط، يريد العودة إلى كرسي النقل، ويهدد: لن نتخلى عن الوزارة.
هل أنا بطران.. بالتأكيد لانني أتحدث عن الكتب وأنا أدرك جيدا أن ساستنا لا يقرأون، فهم يوغلون وباسم الديمقراطية، بالتطرف ونهب الثروات، والانتهازية، ويمتطون التغيير لقهر العراقيين وإذلالهم.