د. فالح الحمراني
وفقاً لتقديرات المراقبين السياسيين في موسكو المهتمين بشؤون المنطقة ، إن أزمة مؤسسات الدولة في العراق بلغت ذروتها، مشيرين بذلك الى عدم تمكن رئيس الوزراء المؤقت محمد توفيق علاوي من تشكيل حكومته وانسحابه ، ورجحوا استبداله بشخص آخر،
ولفتوا الى مغادرة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي مبنى مجلس الوزراء واستقالته أخيراً من منصبه إلى حين الموافقة على الحكومة المؤقتة أو الانتقالية الجديدة. " وهكذا ، ترك العراق بدون رئيس وزراء لمدة أسبوعين تقريباً. وإن الأحداث التي شهدتها البلاد تدل على أن الأزمة الحكومية في العراق مستمرة وأنه من المستحيل ، على الأقل في الأجل القصير ، تشكيل مجلس وزراء جديد".
وقال المعلق السياسي لصحيفة " نيزافيسيما غازيا" رافيل مصطفين : "إن ذيول داعش وغيرها، بالتأكيد ستستفيد من الشلل السياسي الذي هزّ البلاد من أجل المزيد من تلطيخ سمعة النخبة العراقية الحالية، في أعين ملايين العراقيين العاديين. وحتى تحقيق ذلك من خلال الانضمام إلى مطالب المتظاهرين لمنع ممثلي النخبة الفاسدة القديمة ، الذين هم في خدمة إيران المجاورة ، من دخول الحكومة". الى جانب ذلك تواجه البلاد صعوبة في مكافحة الفيروس التاجي ، الذي تسلل لها بسهولة من إيران المجاورة ، واحتلت إيران المرتبة الثالثة في العالم بعد الصين وكوريا الجنوبية من حيث عدد الحالات والوفيات من هذا الوباء الفتاك، وقررت السلطات العراقية إغلاق المعابر الحدودية مع إيران. ومع ذلك ، فإن عزل العراق وإيران عن بعضهما البعض ، بالطبع ، لن يجدي نفعاً ، وبحسب وكالات الأنباء الأجنبية ، فإن مقاتلي داعش يستخدمون بشكل متزايد زي الجيش النظامي العراقي عند تنفيذ الهجمات الإرهابية. وتطالب الأمم المتحدة السلطات العراقية باتخاذ إجراءات فعالة لنزع سلاح العديد من الجماعات المسلحة ، التي لا تخضع في الواقع إلا لقادتها. ومن الواضح أن من بينهم قد يكون هناك إرهابيو داعش.
وتقول بعض التقارير ان تلك التطورات تغرق العراق في خطر فراغ في السلطة. كما إنها أفضت الى انهيار الآمال بأن أزمة الحكومة التي بدأت في نهاية تشرين الثاني 2019 مع استقالة الحكومة عادل عبد المهدي ، سيتم حلها عن طريق تعيين رئيس الوزراء الذي كلفه الرئيس العراقي برهم صالح بتشكيل الحكومة الجديدة في 2 شباط . وحسب تقديراتهم ان الرئيس برهام صالح كلف علاوي رئيسا للوزراء ، بناء على توصيات كتل فتح (التي تمثل مصالح الجماعات المسلحة ) وسائرون (مؤيدي السيد مقتدى الصدر). ووصفوا المرشح لمنصب رئيس الوزراء بانه "ممثل الأرستقراطية الشيعية" . وأعادوا الأذهان الى أنه ابن عم زعيم كتلة العراق ، أياد علاوي وقالت قراءة في موقع معهد الشرق الأوسط: " إنه وعلى عكس قريبه الذي تعاون بنشاط مع أمريكا ووكالات الاستخبارات البريطانية ويشاع انه متورط في قضايا مالية ، فإن محمد توفيق علاوي هو شخصية محايدة لم تلطخ سمعته كالسياسيين العراقيين الآخرين. إلى ذلك إنه خلال سنوات حكم صدام حسين الدكتاتوري ، عاش في المنفى في المملكة المتحدة ، ولكنه حسب معطياتهم "لم يعش على حساب وكالات الاستخبارات الغربية". وفي الوقت نفسه ، لا يمكن حتى لمعارضيه السياسيين أن يتهموه بالعمل عن كثب مع الإيرانيين. وكان وزيراً للاتصالات في حكومة نوري المالكي ، ولكنه استقال مرتين في عام 2005 وعام 2010 احتجاجاً على "الأجندة الطائفية والتدخل السياسي في عمل وزارته". حسب تلك التقديرات.
وعن خلفيات تراجع علاوي عن التكليف بتشكيل الحكومة، لفتت الى قيادة سائرون قدمت " الدعم الرئيس لترشيحه على أمل أن يكون هناك رئيس وزراء ضعيف يمكن التلاعب به". وقد تسبب ذلك والحديث للمراقبين في موسكو :" في رفض القوى الأخرى ، والتي يمكن تسميتها افتراضياً "موالية لأمريكا" ، ومعارضة لتعزيز الحشد الشعبي، وتؤيد الحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في البلاد". ورفض نواب من كردستان العراق والسنّة ، وبعض الأحزاب الشيعية التعبير عن الثقة برئيس الوزراء الجديد ، خشية تعزيز مواقع تكتل سائرون. وتشمل هذه ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ، وكذلك كتلة صادقون ، و عصائب أهل الحق. كما رفض تحالف "الحل" السنّي ، بقيادة رئيس البرلمان العراقي الحالي ، محمد الحلبوسي ، ترشح علاوي بشكل قاطع.
وتلاحظ بعض التقارير إن الساسة الشيعة المقربون من فتح وسائرون يبذلون في ظل الظروف الراهنة ، جهوداً كبيرة لوقف تجزئة المكون الشيعي في السياسة العراقية، وذلك بإنشاء كتلة شيعية واحدة ، فضلاً عن كسب عدد من السياسيين من المكون السنّي. وعلى وجه الخصوص ، تم إنشاء "فريق شيعي" ، يضم من شخصيات أخرى وزير الداخلية السابق قاسم الأعرجي ، والمتحدث السابق باسم الحشد الشعبي أحمد الأسدي ، وأعضاء البرلمان بينهم محمد الدراجي الوزير السابق في الحكومة العراقية ، الذي عاش خلال سنوات حكم صدام حسين الديكتاتوري ، في المملكة المتحدة وما يزال يحمل الجنسية البريطانية. وانضم إليهم عضو البرلمان مثنى السامرائي من مقاطعة صلاح الدين السنّية. وأشير بهذا الصدد الى أن غالبية السنّة المحليين في سامراء موالين للحشد الشعبي رغم طابعه الشيعي. ويرجع ذلك برأيهم إلى عاملين. أولاً إن قوات الحشد المتمركزة هنا لم تسيء إلى السكان المحليين وتتمتع بثقتهم. وثانياً إن السياسيين المحليين يعقدن الآمال بالحصول على أموال كبيرة من خلال التحالف مع الشيعة لاستعادة اقتصاد المحافظة ، التي دُمرت خلال الحرب ضد "داعش" . وحتى الآن ، تلقت مقاطعة الأنبار المجاورة حصة الأسد من هذه الأموال. ووفقاً لما ذكره السيد الدراجي ، فإن ثلثي النواب السنيين كانوا يعارضون ترشيح محمد توفيق علاوي ، حيث اعتبروه محمياً من بعض القوى.
وذكر تقرير لمعهد الشرق الأوسط أن القلق يساور الأوساط السياسية الإيرانية إزاء استمرار عدم الاستقرار السياسي في العراق، وتفكك " البيت الشيعي" السياسي. ووفقاً لرئيس مركز الدراسات العربية في طهران محمد صالح إن إخفاق علاوي بتشكيل الحكومة يشير ليس فقط الى الصعوبات التي يشهدها العراق حالياً، ولكن أيضاً إلى أزمة النظام السياسي برمته. ويلفت الأنظار إلى أن الأحزاب الشيعية لديها ما بين 160 و 170 مقعداً في البرلمان العراقي. وإذا كان الشيعة مجمعين ، سيكون هذا كافيا للموافقة على حكومة علاوي ، حتى مع معارضة النواب من المكونات الأخرى. ويرى الخبير إن سبب الأزمة الحالية يكمن في انقسام الطيف الشيعي للطبقة السياسية العراقية. ويدعو المحلل الإيراني إلى إحياء تحالف كل الأحزاب السياسية الشيعية على غرار التحالف الوطني العراقي، الذي فاز في الانتخابات البرلمانية عام 2005. وفي الوقت نفسه ، يرى أن مقتل الجنرال قاسم سليمان على يد الأمريكيين في 2 كانون الثاني من هذا العام، كان له أثر مدمر على تطور الحالة السياسية في العراق. " وكان بوسع سليماني صاحب النفوذ الواسع في العراق، إقناع البرلمانيين العراقيين والسياسيين الموافقة على ترشيح رؤساء حكومة موالين بطريقة أو بأخرى لإيران". حسب الخبير الإيراني.