أ.د.قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
تنويه
اشاع فيروس كورونا المستجد (Covid 19 ) فوبيا اصابت آلاف الناس عبر العالم،وازدادت بتزايد سرعة انتشاره بعد ان احتلت فرنسا المركزالرابع في عدد الأصابات واعلانها بأن الوضع (مقلق جدا).
وانطلاقا من مسؤوليتنا أمام شعبنا ودورنا في اشاعة الثقافة السيكولوجية والاجتماعية ضد وباء كورونا، نواصل في هاتين الحلقتين سلسلة مقالاتنا لتوعية الناس باهمية الحالة السيكولوجية للفرد في ازمات الأوبئة.
تتضمن الحلقة الأولى تنظيرا صرفا موجزا للرهاب (الفوبيا) يزود بمعرفة ثقافية عنه،فيما تتضمن الحلقة الثانية تطبيقا محددا لأساليب التعامل في مواجهة فيروس ماكر وخبيث.
مفهوم الرهاب (الفوبيا)
الرهاب (أو الخوف المرضي) ترجمة عربية لمصطلح شائع هو
" الفوبيا" Phobia . ومفردة (Phobia) مشتقة من (Phobos) وهو آله الخوف عند الإغريق.وتشير إلى خبرة الخوف المفرطة أو غير المناسبة، أو الخوف الذي يدفع إلى الهرب.
والرهاب (الفوبيا) خوف فجائي مفرط من موضوع أو موقف معين. والمفارقة ان الشخص المصاب به يعرف أن خوفه لا يناسب مصدر الخوف،ومع ذلك فأنه يفقد السيطرة على الإحساس المفرط بهذا الخوف الذي يرتبط بمثيرات متعددة ومتنوعة تعمل على إحداثه مثل: أماكن شاهقة، مناطق مغلقة،الوحدة، الناس،العواصف ،رؤية الدم ،الجراثيم والفيروسات ،المرض ،الحرائق ،والحيوانات.
وللرهاب تعريفات متعددة، منها:
- هو اضطراب قلق يتصف بخوف مفرط أو غير مناسب.
- خوف شديد ومستمر من موضوع أو موقف لا يعد في الواقع مصدراً واضحاً أو بارزاً للخطر.
- خوف من نوع خاص لا يتناسب وحقيقة الموقف، ولا يوجد تفسير أو سبب واضح له،وهو أبعد ما يكون عن قدرة الشخص في السيطرة عليه أو تجنبه .
- هو خوف مبالغ فيه ولا يحمل في طياته ما يبرره.
وعليه نقترح التعريف الآتي للرهاب (الفوبيا):
"خوف مفرط أو شديد من موضوع أو موقف، يعّد لدى الآخرين عادياً أو طبيعياً، لا يستطيع المصاب به السيطرة عليه بالرغم من معرفته بأن خوفه هذا غير مناسب" .
- التصنيف:
يصنف الرهاب، على وفق المرشد الطبي النفسي (DSM) ضمن اضطرابات القلق (Anxiety Disorders) التي ترد فيه على النحو الآتي:
1 .اضطراب القلق العام (Generalized Anxiety Disorder) .
2 .أضطراب الرهاب (Phobic Disorder) .
3 .اضطراب الفزع (Panic Disorder) .
4 .اضطراب الوسواس القسري (Obsessive - Compulsive Disorder).
5 .اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية (Post Traumatic Stress Disorder).
هذا يعني أن الذي يجمع هذه الاضطرابات الخمسة هو: القلق المفرط.. ولهذا تعرّف اضطرابات القلق هذه بأنها :
" صنف من الاضطرابات تتصف بمشاعر مفرطة من القلق وتوقع الشر".
أنواع الرهاب:
هنالك ثلاثة أنواع رئيسة من الرهاب،هي :
.1 الرهاب البسيط (Simple Phobias) :
ويتضمن خوفا شديداً ولا عقلانياً من شيء محدد أو موقف محدد.وهنالك العشرات منها، مثل : الفأرة، العنكبوت، الماء، القذارة،الظلام، الوحدة.
2 .الرهاب الاجتماعي (Social Phobias):
ويتحدد بخوف دائم وواضح من واحد أو أكثر من المواقف الاجتماعية أو الأداء الاجتماعي. بمعنى آخر هو خوف الفرد من المواقف التي يوجد فيها ناس آخرون. ولا يعني ذلك خوفه من إلحاق الأذى به ، إنما يخاف أن يمعن الآخرون النظر فيه ،فيشعر عندها بالإحراج أو الخجل.ولهذا فهو إذا كان يأكل ورأى الآخرين ينظرون إليه ، فأن الملعقة قد تقع من يده،فيضعه قلقه المفرط هذا أمام خيارين ، إما أن يتوقف عن الأكل أو الشرب، وإما أن يغادر المكان.
3 .رهاب المجال (Agora Phobia) :
جاءت هذه التسمية من مصطلح إغريقي هو " الخوف من السوق Fear of the Market Place " وأستعملت في عام (1871) لتصف حالة أربعة رجال شعروا بالخوف من مدينة بلازا.ويمكن تعريفه بأنه الرهاب المرتبط بالخوف من الأماكن العامة،بسبب قلق الشخص بأنه سيقع في إحراج شديد إذا خرج إلى أماكن عامة وتعرض لنوبة فزع. وتعني نوبة الفزع الخوف الشديد من الموت أو ما يفقد الإنسان عقله، تتحدد أعراضها بزيادة في ضربات القلب،التعّرق، الارتجاف،ضيق التنفس،وتصل في الحالات المتطرفة إلى خوف الفرد من الانفصال عن جسمه.
- أسباب الرهاب (الفوبيا):
تتنوع النظريات التي حاولت تفسير الرهاب.فالنظريات الدينامية النفسية (والتحليل النفسي) تفسر كل أنواع الرهاب بأنها دفاعات ضد القلق الناجم عن كبت دوافع غير مقبولة. وأن الآلية التي يعمل بها تكون بتحويل موضوع أو موقف مخيف إلى موضوع أو موقف آخر. وأنه بتحويل هذا القلق فأن الفرد يُبقي على أو يحافظ على المصدر الحقيقي اللاشعوري. فيما ترى النظرية السلوكية أن الرهاب (بجميع أنواعه) هو استجابات متعلمة من مواقف حياتية وأنه يتطور أما بالاشتراط الكلاسيكي (بافلوف) ثم الإجرائي، أو بملاحظة آخرين مصابين به،فيما يرى اصحاب المنظور المعرفي أن الرهابيين يمتلكون تحيزات معرفية بشأن تضخيم المثيرات المهددة، الخارجية أو الداخلية،أو بسبب اعتقادهم أن تفسيراتهم لما يحدث في أجسامهم غير واقعية. فزيادة في ضربات القلب تعني لهم وجود شيء ما خطأ في القلب، يزيد من قلقهم ،ويضعهم في دائرة مغلقة تبدأ بالقلق وتنتهي بتوقع الموت،فيما ترى النظرية الوراثية البيولوجية أن بعض المصابين بالرهاب لديهم عوامل جينية ويحملون استعدادا بيولوجيا أو وراثياً.
هل أجابت هذه التنظيرات عن رهاب (فوبيا) كورونا؟ الجواب ،كلا..لكنها قدمت لنا معرفة ثقافية عن الرهاب (الفوبيا) تصحح الكثير من المعلومات التي تقدمها بعض الفضائيات، وستكون الحلقة الثانية مخصصة لفوبيا كورونا تبدأ من تكرار غسل اليدين الى التخزين (التكديسي) للأغذية..الى الخوف من الموت!