TOP

جريدة المدى > عام > حياة شرارة ويسنينها في الربوع العربية

حياة شرارة ويسنينها في الربوع العربية

نشر في: 28 مارس, 2020: 05:35 م

د. ضياء نافع

يمكن القول إن الكتابة عن المرحومة أ.د. حياة شرارة قد بدأت لتوّها - ليس إلا- في العراق , وقد لعبت دار ( المدى ) بإعادة إصدار مؤلفاتها دوراً بارزاً بلا شك في هذه العملية , ولكنها ( أي الكتابة عن حياة شرارة ) مازالت تنتظر الباحثين العراقيين للتعمق في تراثها واكتشاف وتحديد قيمته الحقيقة في تاريخ الادب الروسي ومسيرته في العراق ,

وأريد أن أكرر – مرة أخرى وأخرى - مقترحي السابق لقسم اللغة الروسية في كلية اللغات بجامعة بغداد بضرورة كتابة أطروحة ماجستير عن دور أ.د. حياة شرارة في تاريخ القسم العلمي باعتبارها واحدة من أبرز الاسماء وأعمقها في مسيرته , وأكرر أيضاً استعدادي للتعاون مع المشرف العلمي وطالب الماجستير لإنجاز هذا العمل العلمي الرائد . 

هذه المقالة هي واقعياً ذكريات و انطباعات خطرت لي بعد قراءة بحثها الموسوم – ( يسينين في الربوع العربية) , المنشورة في مجلة الأقلام العراقية ( العدد الصادر في شباط ( فبراير) لعام 1989 ) , التي أعدت الآن الاطلاع عليها بمحض الصدفة , بعد كل تلك السنوات الطويلة التي مرّت , اطلعت عليها اعتزازاً بذكرى المرحومة حياة ( ام مها ) واسمها ودورها في مسيرة قسم اللغة الروسية الحبيب الى قلبي وقلبها طبعاً , وأظن ,أن هذه الانطباعات ربما ستكون مفيدة حول هذا البحث المهم في تاريخ دراسة الادب الروسي في العراق , وهو موضوع اهتم به طوال مسيرة حياتي , منذ ان بدأت بدراسة اللغة الروسية وآدابها في جامعة موسكو عام 1959 ولحد الآن . 

تذكرت رأساً , أن المرحومة حياة طلبت منّي (أي مصدر روسي حديث عن الشاعر يسينن في مكتبتي الشخصية) , فجلبت لها في اليوم التالي كتاباً يتضمن دراسة عن ثلاثة شعراء روس هم كل من ماياكوفسكي وبيدني و يسنين , والكتاب هذا صادر في مدينة لينينغراد ( بطرسبورغ حالياً ) العام 1980 . لقد أشارت حياة الى هذا الكتاب في مصادر البحث ضمن الكتب الروسية التي استخدمتها عند كتابة بحثها المذكور , علماً إنها كانت تعتمد دائما على مصادر باللغات العربية والروسية والانكليزية في بحوثها و كتاباتها , وهذه ملاحظة مهمة وجديرة بالتذكير بها عند الكلام عن حياة وعمق كتاباتها العلمية. 

وتذكرت أيضاً حديثنا عندما انجزت حياة بحثها , إذ إنها اخبرتني عن رغبتها بنشره في مجلة الأقلام , ولكني قلت لها , إن المجلة غير معتمدة بالنسبة للترقيات العلمية , ولكنها قالت , إنها لا تهتم بذلك , وإن هناك الكثير من القراء , الذين يتابعون هذه المجلة , وإن هذا البحث ينسجم مع الصفة العامة لهذه المجلة , وإن تقييم البحث من قبل القراء هو المهم وليس مكان النشر . وأنا بشكل عام أؤيد هذه النظرة العلمية والموضوعية للبحث العلمي , ولكن الأجواء الاكاديمية الصارمة , التي كانت محيطة بنا لم تكن تؤيد ذلك ( لغة البحث يجب ان تكون بلغة الاختصاص والنشر في مجلات معتمدة ) , وأذكر اني ناقشت اللجنة العلمية في قسم اللغات الاوربية بكلية الاداب حول هذا الموضوع , عندما كان فرع اللغة الروسية هناك ضمن ذلك القسم قبل عام 1987 , وهي سنة تأسيس كلية اللغات ( انظر مقالتنا بعنوان – كلمة ليست متأخرة عن كمال قاسم نادر) . لقد اصطدمت حياة بهذه المشكلة عندما قدّمت هذا البحث للترقية العلمية ( للحصول على مرتبة الاستاذية ) , ولكن اسمها ومكانتها وتعاون لجنة الترقيات وتعاطفها معها ( كانت برئاسة المرحوم أ. د. علي منصور ) والظروف السياسية المحيطة بالعراق آنذآك , والتي أدّت الى عزل البلاد عن العالم , كل ذلك قد ساعدها على تخطي هذه العقبة البيروقراطية في نهاية المطاف .

تسمي حياة بحثها عن يسينين ( مقالاً ) , ولكن واقعياً , إن ماقدمته هناك هو بحث علمي صرف ومتكامل ومبتكر وأصيل في مجال الأدب الروسي وجهود المترجمين العرب بتقديم هذا الادب بالعربية , إذ إنها قارنت ترجمة حسب الشيخ جعفر وعبد الرحمن الخميسي وترجمتها الشخصية لقصيدتين مشهورتين من قصائد يسينين , وكانت المقارنة موضوعية وعلمية وصارمة فعلا , لدرجة إنها أشارت الى أن ترجمة حسب الشيخ جعفر لاحدى مقاطع يسينين جاءت افضل من ترجمتها هي وترجمة الخميسي مرة , وكذلك اشارت , الى ان حسب اخطأ في فهم النص الروسي عند يسينين في مقطع آخر . وتحدثت حياة أيضاً عن الفرق بينها وبين الخميسي , إذ اعتبرالخميسي أن قصائد يسنين ( من الشعر السوفيتي ) , بينما حياة تقول , إنها اعتبرتها ( من الشعر الروسي ) , وتستشهد بموقف طه حسين من بعض الشعراء العرب وهل هم من شعراء صدر الاسلام أم من شعراء الجاهلية , وهو موقف علمي شجاع جداً ومقارنة مبتكرة بكل معنى الكلمة ودليل على سعة الآفاق الثقافية لها , ولكن حياة لم تتطرق الى تفصيلات هذا الموضوع الشائك والحساس في ذلك الوقت , والذي أصبح في وقتنا الحاضر واضحاً ( انظر مقالتنا بعنوان – حول مصطلح الأدب السوفيتي).

لقد تمتعت جداً وأنا أعيد قراءة بحث حياة شرارة الموسوم – يسينين في الربوع العربية , إذ إني تذكرت الأيام الخوالي , وتذكرت صحة أفكارنا حول طبيعة البحوث العلمية بغض النظر عن لغة البحث ومكان نشره , وتذكرت تلك المرأة العراقية اللبنانية الهادئة , ولكن الأحزان غمرتني بعدئذ, عندما تذكرت نهايتها المأساوية ...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق يعطل الدوام الأحد المقبل

إعادة 20 مليار دينار إلى الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية

بعد سنوات عجاف… هور الشويجة يعود إلى الحياة من جديد

البرلمان يناقش نظام المحاولات وتدرج ذوي المهن الطبية في جدول أعمال جلسته غدًا

إيران تتعهد بتعزيز الشفافية النووية وترفض التفاوض تحت التهديد

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"سيرك" للشاعرة نور خليفة: دينامية اللغة وتمثلات العطب الوجودي

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد

هيباشيا

انتقائية باختين والثقافة الشعبية

مقالات ذات صلة

فوز الصيني جياكونجياكون بجائزة نوبل للعمارة (بريتسكر)
عام

فوز الصيني جياكونجياكون بجائزة نوبل للعمارة (بريتسكر)

نجاح الجبيلي تعد جائزة بريتسكر للهندسة المعمارية إحدى أرقى الجوائز العالمية وبمثابة نوبل للعمارة. وهي جائزة عالمية تمنح سنوياً تقديراً "لمعماري أو مجموعة من المعماريين الأحياء الذين تُظهر أعمالهم المُنجزة مزيجاً من الموهبة والرؤية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram