علاء المفرجي
فيلم فريدا الذي حمل توقيع المخرجة هايدن هيراير، ينتمي أيضاً لأفلام المرأة، لكن المرأة هنا فنانة معروفة استطاعت هيريرا أن تعالج سيرتها كأمرأة أولاً، وكفنانة ذاع صيتها في المشهد التشكيلي عالمياً.
فنحن أمام واحدة من أهم الحقب التاريخية في تاريخ المكسيك كخلفية لحياة أهم الفنانات في الحركة السريالية في عشرينيات القرن المنصرم.
وإن كانت السينما المكسيكية قد حققت فيلماً عن هذه الفنانة بتوقيع بول ليروك في الثمانينيات، إلا أن مع فيلم تايمور ونص هيريرا، نحن أمام حياة تستحق أن تروى..
هذه السيرة الممتدة بالكثير من أشكال الصراع مع الذات والآخر، مع الألم (باعتبار أن الأبطال الحقيقيين هم الذين يمتازون بالخشوع أمام الألم كما يرى ستيفان زفايج) هذه السيرة هي ما حاولت تايمور الوقوف عند محطاتها .. ولكن هل وفقت؟
كالهو لم تكن معروفة إلا بارتباطها بحياة أهم رسام جداريات في العالم على الإطلاق الفنان المكسيكي دييغو ريفيرا.. انتبه نقاد الفن لأعمالها كانت البداية الأولى في التعرف على سيرتها، ذلك أن أعمالها الواقعية مفعمة بالتوثيق، توثيق سيرتها مع الألم الذي أطر سنوات عمرها التي لم تتجاوز العقود الأربعة.. الانتباه الى منجزها الفني كان السبب الذي دفع البعض للتعرف على سيرتها، وحال كالهو هنا كما هو حال كوخ ومودلياني وغيرهم من الفنانين الذين غمر الألم إبداعهم في حياتهم، ثم سلطت الأضواء عليهم بعد رحيلهم.
وجود سلمى حايك وأداؤها المذهل والذي لو اكتفت به بقية حياتها، لكان كافياً لبلوغها المجد في التمثيل، أقول إن التقمص المبدع من قبل حايك لشخصية كالهو، سهّل مهمة المخرجة في الاعتناء بشخصية الفنانة لذاتها من دون الاعتبار لعلاقتها مع الشخصيات الأخرى بل ومع أحداث زمنها.. لذا كانت الشخصيات الأخرى وعلى أهميتها تسبح في فلكها فاقدة أهميتها التاريخية، ولاشك أن ذلك كان نزولاً عند شروط التسويق الهوليوودي.. بل إن التركيز على موهبة كالهو والآلام التي عانتها أفرغها هي الأخرى من الكثير من الصفات التي ربما كانت الأهم في صياغة مجدها وشهرتها، وأعني هنا عقائديتها وانخراطها النشط في الحركة الشيوعية.. بل إن الفيلم تعامل مع دخول القائد الشيوعي التاريخي الفذ (تروتسكي) والذي كان مطارداً من قبضة رفيقه السابق ستالين، تعامل معه من كونه معشوقاً لفريدا ليس إلا، بل وسيلة لإثارة غيرة (ريفيرا) زوجها الذي عرف عنه علاقاته النسائية المتعددة .. في وقت إن علاقة تروتسكي بفريدا وريفيرا هي أكبر من أن تسجن بمثل هذا التصور السطحي، إلا إذا كان ذلك سببه التعاطي مع القضية بما يناسب وجهة نظر سياسية تقضي أن تروتسكي ليس إلا ذريعة لإبراز وحشية ستالين (كذا!). الأمر الآخر المهم الذي تغافله الفيلم وصنّاعه، هو الذي يشكل ركناً مهماً في سيرة فريدا كالهو هو علاقتها بالحركة السريالية تلك الحركة التي كانت في أوج صعودها في الفترة التي يتناولها الفيلم.
ففريدا كالهو كانت بالضد من رأي الرمز الأول للسريالية وصاحب بيانها الأول (اندريه بريتون) من أن أعمالها تنتمي للسريالية، ذلك إن لوحاتها تتسم بالواقعية لما تضمنته من قدرة على ترجمة القهر والألم الذي خيّم على حياتها على مدى ثلاثين عاماً.. ولم تكن قراءتها حتى على المشاهد العادي تكتنفها صعوبة ما، على عكس ما اتسمت به أعمال السرياليين الآخرين.. هذه العلاقة على أهميتها لم تجد المساحة المطلوبة في الفيلم.. وهو يعتبر أحد هفواته- أي الفيلم-.