اسماعيل آل رجب
نشر القاص محمد خضير قصة جديدة بعنوان الصحفي في "ثقافية المدى". في فترات متباعدة ، يتحفنا الكاتب محمد خضير بعمل رائع ،
فهو ينتج قليلا ، لكنه يضع تجربته في صياغة الكتابة ، كما لو انّه يخيط اللؤلؤ بخيوط الذهب ، يشكّل خطوطها ليرسم لنا لوحة فنية ، ابتداء من الصحفي (العنوان)، باعتباره يمثّل العقل الجمعي ، ويمتلك مؤهلات الوعي ، في التعبير عن الرؤى الاجتماعية في ابعادها ، السياسية والسايكولوجية ، وهو(الصحفي) شخصية واقعية ، ولعل اغتيال الشخصية الاعلامية البصرية (احمد عبد الصمد) ، كان الجذر الرئيس، الذي نما منه برعم الصحفي، في ضمير الكاتب ، وعنصرا دافعا الى علياء هذه الكتابة،
1 - الصحفي تشكيل اللوحة بالخطوط :-
الخط الاول : الصحفي الذي استعار اسم ملك الذباب والبسه الكاتب قناع الممثل السينمائي خواكين فينيكس في دور الجوكر.
الخط الثاني : مقر جريدة الضباب ، عبارة عن وكر للصحفيين.
الخط الثالث: دار رعاية المسنين بالصوب الغربي.
الخط العريض : الطبقة العميقة لمدينة الذباب.
2 - الصحفي تشكيل اللوحة بالالوان:-
أ- اطلاق اسم الضباب على الجريدة ، للتمويه على اعتبار عدم وضوح الرؤية، وجعل مقرها وكرا ، للتعبير عن غياب حرية التعبير عن الرأي.
ب- تقارير الصحفي عن الضرر الذي يلحق الجميع ، الخبازين ، صائدي السمك ، صانعي المفاتيح ، ودار المسنين ، وعودة البسطاء الى: حياكة السجاد، سف المهفاّت الخوصية ، يدويا، للتعبير عن توقّف الصناعة الميكانيكية.
ت- تسخير ثيمات دار المسنين ، مرآب السيارات قيد الانشاء ، الجسر ، النهر، القارب ، الفزّاعة ، دخان الاطارات المشتعلة ، لبيان عنصري الحركة في الامكنة ، واضفاء طابع تعبيري للفضاءات.
ث- تناول المسنة (نبيهة) ، المتبقية من النظام الملكي ، كشاهد على التاريخ ، وللتعبير على ان البلد يمر بمرحلة انتقالية مخاضها عسير.
خلاصة القراءة :
لدى الكاتب الأستاذ محمد خضير مسيرة طويلة في السّرد، ومخزون فاعل من الخبرة المتراكمة ، تؤهله لتعبيد طريقه الخاص ، واكسائه بمكونات سردية مختلفة ، تعتمد المشهدية في تشكيل الصورة ، واختيار لونها الانطباعي المناسب للحدث ، مع المحافظة على وحدة الموضوع.
الصحفي شخصية القصّة المحورية ، تدور بها وحولها الاحداث التفصيلية ، باسلوب يبتعد عن المباشرة ، ليدع لـ(القارئ الضمني (ادراك المقاصد ، واستشراف الرؤى ، واستنباط الدلائل ، للوصول الى مراد الكاتب ، الصحفي هو لسان حال الكاتب واداته التي يحرّكها لتسليط الضوء على الزوايا المظلمة، ووصف مؤثّر للحالة السياسية العراقية ، والمخاض العسير الذي تعاني منه ، والقاعدة التي سنّها الصحفي لنفسه (قد يكمن الشيطان في عباءة درويش) ، وصفت لنا بدقة ماتفعله الطبقة العميقة لمدينة الذباب ، حتى اوصلت البلد الى فراغ سياسي، ودفعت الشباب للتظاهرات ، والتعرّض للمخاطر، لتغيير هذا الواقع المؤلم .
واخير وبعد نشر الصحفي مقابلة المرأة المسنّة ، ونشر صورة مختلسة لها، هوجم وكرُ الصحفيين في مقر جريدة الضباب ، وأُضرِمت النار فيه. وهنا انتهت القصّة من حيث السّرد ، لكنّ الواقع لايزال يزحف نحو المجهول.