TOP

جريدة المدى > عام > شيء عن جامعة الصداقة في موسكو

شيء عن جامعة الصداقة في موسكو

نشر في: 4 إبريل, 2020: 05:43 م

أ.د. ضياء نافع

كنّا في ذلك الحين طلبة في جامعة موسكو , عندما تم الإعلان في الاتحاد السوفيتي عام 1960 عن تأسيس جامعة جديدة في موسكو تسمى جامعة الصداقة بين الشعوب ,

وفهمنا, أن هذه الجامعة كانت خاصة فقط لطلبة بلدان آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية , وإنها تهدف الى إعداد كوادرعلمية في مختلف الاختصاصات لتلك البلدان , التي حصلت على استقلالها في الفترة الاخيرة , البلدان التي كانت تسمى ( النامية ) عندئذ, و كلمة النامية هي مفردة مؤدّبة ومحسّنة لكلمة ( المتأخرة ) طبعاً , وهي البلدان التي كانت تندرج ضمن ( العالم الثالث ) كما كانوا يسمّوه في ذلك الزمان ( ولا يزال هذا التعبير سائداً لحد الآن مع الاسف) , وهو تعبيردقيق جداً يعني, إن هذه البلدان بعيدة جداً عن العالمين الأول والثاني ( ولم يخطر ببالنا آنذاك من هي بلدان العالم الاول ومن هي بلدان العالم الثاني!!) , وفهمنا أيضاً ,أن الطلبة الذين سيدرسون فيها يجب أن يكونوا من أنصار ومؤيدي تلك الاحزاب السياسية التي تقف ضد سياسة الغرب وتؤيد إقامة و توسيع العلاقات المختلفة مع الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي في بلدانهم بشكل أو بآخر . وعلمنا أيضاً , أن القبول في هذه الجامعة يتم عن طريق المنظمات الاجتماعية مثل النقابات والاتحادات ...الخ وليس عن طريق الاتفاقات الدولية العامة كما كان يجري تنظيم العلاقات الثقافية بين الدول , وباختصار , فإن جامعة الصداقة بين الشعوب كانت منذ بدايتها ذات طبيعة سياسية واضحة المعالم , وهذا هو الخطأ التاريخي الجسيم , الذي ارتكبته الجهات السوفيتية عند تأسيسها لتلك الجامعة , إذ أن الجامعة , أي جامعة , هي مؤسسة اكاديمية تخضع لضوابط علمية محددة وصارمة فبل كل شيء وليس لضوابط سياسية أبداً , وتلك ضوابط علمية معترف بها في كل بلدان العالم ,ونحن ( شاهدنا !) في العراق , ما الذي فعلته السياسة عندما ( اقتحمت !) الجامعات العراقية وخرّبت الضوابط العلمية وتقاليدها الممتازة , التي كانت سائدة فيها منذ تأسيس كلياتها المتفرقة في النصف الاول من القرن العشرين . ولكن يجب القول الآن , إن انطباعاتي عن الجامعة الروسية هذه أصبحت عتيقة جداً وترتبط بعصر انتهى فعلاً , إذ أن جامعة الصداقة بين الشعوب في الوقت الحاضر قد تخلّصت بالتدريج من ذلك الخطأ الجسيم , ومن هذه المفاهيم السياسية الضيقة ( رغم أن هذه العملية المعقدة قد استغرقت فترة طويلة زمنياً) , وهكذا أصبحت هذه الجامعة في زماننا الآن واحدة من الجامعات الروسية المرموقة جداً , رغم كل القيل والقال هنا وهناك , و ما أكثر تلك الاقاويل التي سمعناها بعد عودتنا الى العراق , وما أغرب الحكايات التي حاكتها ونشرتها القوى السياسية العراقية المعادية للاتحاد السوفيتي سياسياً ضد هذه الجامعة المتفردة في بنيتها ونظامها , وأروي هنا مثلاً واحدةً من تلك الثرثرات الغريبة التي سمعتها شخصياً مرة , ومن أحد المسؤولين العراقيين والذي كان يسميها جامعة لومومبا , والذي تحدّث وبكل ثقة قائلاً , إن هذه الجامعة تبعث طائرة سوفيتية خاصة الى افريقيا , ويقف الطيار في باب تلك الطائرة بالمطار الافريقي ويصيح – موسكو موسكو ( على طريقة سيارات النفرات في علاوي الحلة آنذاك ) , وهكذا يهرع الشباب الافريقي الى الطائرة , وعندما يتم اشغال كل مقاعدها , واستخدم هذا المسؤول كلمة ( تقبط ) , تقلع الطائرة من المطار الافريقي وتعود الى موسكو , حيث تلتحق هذه المجموعة بجامعة لومومبا , وتمنح هذه الجامعة بعد عدة سنوات شهادات عليا للجميع , حسب ما تقتضيه (القنطرات !!) . 

لم أكن قريباً من أوساط هذه الجامعة في الستينيات, ولم اتعامل معها في تلك الفترة , ولكني كنت أعرف معلومة شبه علنية تقريباً, مثل كل الطلبة العراقيين في موسكو بشكل عام , و المعلومة هذه تقول , إن الحزب الشيوعي العراقي كان مسؤولاً عن قبول الطلبة العراقيين في تلك الجامعة , وقد سمعت مرة من أحد الزملاء الذين أثق جدا بما يقول , إن الحزب الشيوعي العراقي أرسل من العراق المرحوم د. عبد الزهرة العيفاري ليكون طالباً في تلك الجامعة باسم الحزب الشيوعي العراقي, وقد وصل فعلاً الى موسكو والتحق بهذه الجامعة , ثم أصبح أيضاً مسؤولاً عن عملية القبول في تلك الجامعة بالنسبة للعراقيين . والمرحوم العيفاري درس في جامعة الصداقة وتخرج منها , ثم عاد الى العراق , ثم رجع لاكمال الدراسة العليا في تلك الجامعة , وبعد حصوله على درجة الكانديدات ( دكتوراه فلسفة ) تم تعيينه في نفس كليّته , وهناك استطاع أن يحصل على شهادة دكتوراه علوم ( دوكتور ناووك ) وهي أعلى شهادة علمية في روسيا, واستمر بالتدريس هناك وحاز على درجة بروفيسور . وتوفي في موسكو قبل فترة قصيرة وتم دفنه هناك , وهو واحد من أوائل الطلبة العراقيين , الذين لم يرجعوا الى العراق بعد انهاء دراستهم , والذين قرروا البقاء في الاتحاد السوفيتي والاستقرار فيه والعمل في مؤسساته وضمن ضوابطه الإدارية السائدة , ويستحق العيفاري - بلا شك - أن نتوقف أكثر عند مسيرته الطويلة في موسكو , ونروي قصته المتشعبة . 

جامعة الصداقة الآن تسمى رسميا – الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب , ويدرس فيها مئات الطلبة الروس جنباً الى جنب مع الطلبة الاجانب , وتعدّ واحدة من أبرز الجامعات الروسية المعاصرة ...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق يعطل الدوام الأحد المقبل

إعادة 20 مليار دينار إلى الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية

بعد سنوات عجاف… هور الشويجة يعود إلى الحياة من جديد

البرلمان يناقش نظام المحاولات وتدرج ذوي المهن الطبية في جدول أعمال جلسته غدًا

إيران تتعهد بتعزيز الشفافية النووية وترفض التفاوض تحت التهديد

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"سيرك" للشاعرة نور خليفة: دينامية اللغة وتمثلات العطب الوجودي

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد

هيباشيا

انتقائية باختين والثقافة الشعبية

مقالات ذات صلة

فوز الصيني جياكونجياكون بجائزة نوبل للعمارة (بريتسكر)
عام

فوز الصيني جياكونجياكون بجائزة نوبل للعمارة (بريتسكر)

نجاح الجبيلي تعد جائزة بريتسكر للهندسة المعمارية إحدى أرقى الجوائز العالمية وبمثابة نوبل للعمارة. وهي جائزة عالمية تمنح سنوياً تقديراً "لمعماري أو مجموعة من المعماريين الأحياء الذين تُظهر أعمالهم المُنجزة مزيجاً من الموهبة والرؤية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram