ثائر صالح

تعاظم انتشار الفيروس التاجي الجديد في الأسابيع الماضية، وأعلنت منظمة الصحة العالمية مرض كوفيد – 19 جائحة عالمية.

أتخذ العديد من الحكومات إجراءات صارمة للحد من انتشار المرض أهمها التزام البيت وفرض بعضها حظراً كاملاً أو جزئياً على السكان، وإغلاق المدارس ومنع التجمعات بضمنها الفعاليات الرياضية وكذلك حفلات الموسيقى والعروض المسرحية. فاضطر الموسيقيون التزام بيوتهم وفقد معظمهم مصدر دخله الذي يعتمد على إقامة الحفلات وتدريس الموسيقى، وقد حُظر كلا النشاطان. 

ارتباطاً بهذه الحالة الجديدة بدأت ظاهرة البث المباشر للحفلات الموسيقية التي قدمت بدون جمهور في القاعات بالانتشار. وسبق لي الكتابة عن أولى هذه الحفلات التي قدمت على مسرح لا فنيتشه في البندقية أوائل الشهر الجاري، وعن دراما فاغنر "غسق الآلهة" في شيغا باليابان.

ومنذ ذلك الحين قدم العديد من الحفلات دون جمهور بسبب التعليمات الصحية الصارمة، إذ لم يشأ المنظمون إلغاء الحفلات الأولى تماماً. كما أعلنت منظمة صالات الموسيقى الأوروبية (ECHO) التي تضم 14 قاعة عن برنامج بث حفلاتها. من هذه المؤسسات قاعة الكونسرتخباو – أمستردام، فرقة مدينة برمنغهام السيمفونية، ألبفيلهارمونيه – هامبورغ، كونسرتهوست – ستوكهولم، موبا – بودابست، باربيكان لندن وغيرها.

بادر العديد من الفرق والموسيقيين الى تنظيم بث حي على مواقعهم الرسمية وعلى منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، في حين أعلنت العديد من دور الأوبرا والصالات الموسيقية تقديم خدمات الوصول الى أرشيفها بدون مقابل. سار هذا بالتوازي مع إعلان مؤسسات ثقافية أخرى تسهيل وصول الملايين الى قواعد معلوماتها المغلقة أمام الجمهور أو التي تتوفر عادة عبر الاشتراكات لقاء مبالغ معينة. 

كانت مبادرة فرقة بودابست الاحتفالية الشهيرة التي يقودها إيفان فيشر بتقديم سلسلة يومية أسموها أمسيات الحجر الصحي منذ 17 آذار، يقدمها عازفون منفردون أو مجموعة صغيرة من العازفين فهي من نوع موسيقى الحجرة (مثل الرباعيات الوترية). والبرامج متنوعة تشمل كل العصور من موسيقى الباروك حتى الموسيقى المعاصرة، وكذلك بعض الجاز والدكسيلاند والتانغو وموسيقى أمريكا اللاتينية.

ونشط موسيقيو ما يعرف بالإداء التاريخي في تقديم الأعمال على الفيسبوك وتويتر، فالموسيقى التي يقدمون لا تحتاج فرقاً كبيرة. وعادة ما يتميز هؤلاء الفنانون بالحماس الشديد لعملهم والتباري فيما بينهم لتقديم المزيد من الأعمال المندثرة التي ينقبون عن مخطوطاتها الأصلية في المكتبات بغرض إحياءها.

نظمت شركة دويتشه غرامافون نقلاً حياً لعدد من أشهر عازفيها بمناسبة اليوم العالمي للبيانو في 28 آذار الماضي قدموه من بيوتهم وهم في الحجر الطوعي. شارك في العزف ماريا جواو بيريش، يان ليشيتسكي، فيكينغور اولافسون وآخرون.

قدمت عازفة الكمان الألمانية المعروفة آنه-صوفيه موتر (56 سنة) مع أصدقائها على موقع أوركسترا لندن الفيلهارمونية في الفيسبوك يوم 26 آذار رباعية بيتهوفن الوترية رقم 10، وظهرت وهي ترتدي الكمام الطبي. وقد وصل عدد المشاهدين أكثر من 38 ألفاً. وجلس كل من العازفين الأربعة في بيوتهم التزاماً بالتعليمات والحجر الفردي، وهنا تكمن صعوبة الأداء بهذه الطريقة. الفنانة أعلنت في اليوم التالي برسالة مؤثرة أصابتها بالكورونا بعد وصول نتيجة الفحص.