ضحى عبدالرؤوف المل
يظلل الفنان "أحمد الخطيب" ( Ahmed Alkhateeb ) تفاصيل الحضارات في لوحاته، ليبقيها على قيد الوجود المكاني المتجدد تلقائيا عبر أجيال الفن التشكيلي،
وبتحايل بصري على المؤثرات التي تترجم الأفكار الماورائية او الاحرى التي تحلل الاتجاهات للشعوب التي تغادر وتأتي او تهاجر، وتحط رحالها في اماكن جديدة هي حضارات تُبنى، وتتخذ أهمية بصرية مع ابراز الاختلافات البسيطة من خلال التفتيح والتعتيم، واللعب على تدرجات الالوان مع الحفاظ على الضبابية التي يطمس من خلالها الاشكال. لتتماشى مع الازمنة المرصودة في لوحات هي لشعب مهاجر غير مستقر رغم ان حضارته هي الارض التي يطأها مع الاحتفاظ بالبعد الوجداني في لوحات تُشكل بتفاصيلها تاريخ الشعب الذي يجسده وفق سياق فني مرتبط بالابعاد التاريخية سواء المؤلمة في الهجرة وغيرها. او حتى بالواقع المتخيل للكثير من الشعوب التي هاجرت واستقرت في اماكن اخرى غير اوطانها. الا انه استطاع منحهم استدامة وجودهم في لوحة تمثل اللاوعي المحمل بذاكرة امكنة مرت بمراحل متعددة، وبرمزية تاريخية للحضارات السابقة، والمتتابعة والتي حقق من خلالها الفنان "احمد الخطيب" المعنى الحقيقي للهجرة، ولمؤثرات الامكنة وانفعالاتها عند الرسام الذي يرصد المشاعر بعاطفة تتشكل من خلالها الرؤية المحاكية للمشكلات الزمنية التي يتعرض لها الانسان على مر التاريخ . فهل تحقق لوحاته هذه اتجاهاتها في تكوين جدلية بالحضارات وبالهجرة ومعانيها في الفن التشكيلي خاصة؟.
احاط الفنان "احمد الخطيب" بمعاني الهجرة ومعاناتها في لوحات تمس بمسألة الانسان وهواجسه في الاستقرار والترحال، وعدم الارتياح وفق دلالات المصطلحات الفنية التي يعتمد عليها من الحجارة الى الخيالات، فالسماء والوانها القوية او تلك التي توحي بعاصفة قادمة او كآبة ما معتمداً على الايحاءات والصقل اللوني. لمنح الصفة الانسانية للغائب والقادم او الماضي والحاضر، وفق مراحل من الغموض الذي يحققه بالتباعد عبر فراغات منتظمة الاسس وتجسد التطورات في مسألة الهجرة دون التقيد بتقنيات، وانما بالاحساس العاطفي الذي يراعي من خلاله درجات الالوان واختلافها . لخلق تناغمات بصرية تتميز بالتقارب والتباعد. ليضفي الى المعنى القدرة على الحركة بين الحضارات كافة او بين الثقافات المختلفة التي حملت معاني وهموم المهاجرين او الذين رحلوا عن ديارهم مجبرين على الهجرة او تغيير انظمة عادات الشعوب التي تغادر اوطاتها بالرغم عنها. فهل يمكن منح لوحاته صفة فنيات ادب المهاجرين في اللوحة التشكيلية؟
سواء كان فنيا تشكيليا او موضوعيا اسلوبيا، فقد استطاع "احمد الخطيب" منح الهجرة صفة انسانية مريرة مقارنة بالحالات التاريخية الاخرى او تلك التي حدثت في حضارات القدماء . مما يجعله يبتعد عن المعنى الازدواجي للموت والحياة . فالولادة في بلد المنشأ لا تشبه الولادة في المكان المهاجر اليه، وبالتالي التغييرات الانسانية التي رسمها بين جيل وجيل هي لابراز المعنى ومنحه القوة فيما يخص الشعب الفلسطيني تحديداً والشعوب الاخرى بشكل آخر، وغيرمحدود فاتحاً لوحته على التحفيز التخييلي، والقدرة على استنباط الرموز من خلال التعبير البصري الذي ينقلنا الى الواقع او الى النقطة التي تعالج بالريشة والالوان، والتفاصيل المختزنة لفكرة العبور او البقاء او حتى حركة المهاجرين القدماء والجدد، وان باختلافات تمثل في كل منها نوعا من الحكايا البصرية غير المجزأة على مراحل، كما يوحي ولكنها بضبابية المستويات الزمنية المتداخلة مع بعضها البعض. او من خلال الانسان وتطلعاته الى الماضي والى المستقبل غير المرئي او المجهول بالنسبة له، وبالتالي تكون مسألة اللوحة التشكيلية في اعمال الفنان "احمد الخطيب" هي مسألة الرحيل او الهجرة دون نفي العودة، لكن لحضارة جديدة هي اشكالية تتعلق بالهوية والانتماء وخصوصيات الانسان المرتبط بمكان ولادته.