TOP

جريدة المدى > سينما > الشك ومركزية الشخصيات الثانوية في المسلسل التركي: ويبقى الحب

الشك ومركزية الشخصيات الثانوية في المسلسل التركي: ويبقى الحب

نشر في: 8 إبريل, 2020: 07:13 م

محمد جاسم الأسدي

تتخذ البنى الجمالية -في الدراما- أشكالاً فاعلة في تأدية القيم الدلالية التي ينتمي إليها الوعي الإبداعي، ولا سيما حين يكون القائم بالاتصال نظاماً جماعياً يرسل الحدث الاتصالي عبر الفعل الوقائعي كما نلحظ في نمط المسلسلات الدرامية،

وإذ تقوم الدراما بالدرجة الأساس على النسق الديالكتيكي فإن الشك بوصفه حالة ذهان -تتناقض عندها الافتراضات- يمثِّل حالة من الصراع الداخلي, التي تنعكس بنحو متلازم على أفعال الشخصيات الرئيسة والثانوية التي تتحرك على مساحة العمل الدرامي ككل, أما الغيرة فهي ناتج موضوعي متلازم للشك جراء الشعور بمنافس خارجي يهدد العلاقة بالامتلاك, والخراب, وعطفاً على هذين المتغيرين فإن مُشاهد الدراما التركية يلحظ اختلافاً جوهرياً بائناً, في متابعته لمظاهر المتن الحكائي والسيناريو المرتبط به, وليس انتهاءً بالشخصيات التي تقدمها, مع ما تقترح من مساحات توقع تشي بكسر نمط التلقي المعهود, من خلال بناء العمل الدرامي, ولاسيما "المنتخب" -في هذه المقاربة- على وفق ثنائية الشك والغيرة وبالتحديد عن طريق المشاهد القصصية والشخصيات الثانوية المعقدة للأحداث المتصاعدة..

إن الرؤية الآنفة لتتضح بنحو أكثر جلاء, عبر الاطلاع على المسلسل التركي الرومانسي الذي ألفه كل من: "يلدز تونك, ومراد لطفي, ومحمد بلال, وأثيم يكتا", وأخرجه التركي: "قدرت سابانجي", والموسوم بـ: ألف ليلة وليلة, المترجم عربياً بالمحكية السورية, بـ(ويبقى الحب), والذي عُرِضَ في ثلاثة مواسم وبمعدل تسعين حلقة, للمدة من "نوفمبر2006 إلى أيار2009, إذ حقق جائزة أفضل مسلس في مهرجان الفراشة الذهبية السينمائي للدورة"34", عبر شخصيتيه الرئيستين: خالد أرغنش في دور (أنور أكصال), وبيرغوزار كوريل في دور (شهرزاد أوليا أوغلو), ولاسيما في تَمَثُّل نمطية السلوك الأنثوي عند شهرزاد والسمات الذكورية الشرقية عند شهريار في قصة: "ألف ليلة وليلة", إذ يبدو التمنع والغيرة والوصال المتقطع والعرف وصراع الإرادات الشخصية ذات الوجد والأخرى ذات العقل, ناهيك عن الشك والشخصيات الدخيلة والمشاهد المأزومة التي تطغى في العمل, على نحو لا يجعل حبكة المسلسل تنتمي لغير الشرق الذي يشكل هويتها..

أما قصة العمل, فتدور حول الأرملة الشابة (شهرزاد) التي فقدت زوجها في حادث سيارة تاركا وراءه طفلاً راجب غولن (كنان) يصاب بمرض اللوكيميا, ويتنكره جده متين تشكمز بدور (برهان)؛ لرفضه زواج أبنهم منها, وتعجز شهرزاد عن كلفة العملية فتقترض من صديقتها جيداء دوفنجي بدور (منى) وأحد أصدقائها, ومع وجود متبرعة أذرية أيبن عرمان بدور (ناريمان) لكن يبقى مبلغ 150 ألف دولار, فتطلب المال من (أنور بيك) صاحب شركة الإنشاءات التي تعمل فيها, وهو ناقم على النساء بسبب خيانة والده الذي مات في بيت عشيقته, وعدَّ طلبها جرأة غريبة, وساومها بأن تمضي معه ليلة, واضطرت شهرزاد للقبول (شرط أن يبقى السر دفينا بينهما), ولم تخبره بعملية ابنها لأن قانون الشركة لا يقبل بالمهندسات المتزوجات, فتجري العملية وتنجح, وأنور بيك يعاملها بقساوة على خلاف شخصية تاردو فلوردون بدور (كرم بيك) شريكه وصديقه الحميم الذي يتعاطف معها ويحبها, في حين كانت منى صديقة شهرزاد مولعة به, ويكتشفان لاحقاً حقيقة مرض كنان وتعيش المتبرعة ناريمان مع شهرزاد وكنان كمربية له وكأخت أنقذت حياة أبنها.

وتزور جدة كنان السيدة تومريس إنجير بدور (ناهدة خانم)) حفيدها خفية, في حين كانت شهرزاد ناقمة على جده برهان بيك, الذي رفض مساعدة حفيده, إلى أن يساعد برهان ناريمان ويخلصها من عصابة لتشغيل النساء بالدعارة فتتغير معاملة شهرزاد له وتصطلح الأمور بينها وبين أهل زوجها.

إن الملحوظ في تمثل ثيمتي الشك والغيرة, ولا سيما في مواطن تصاعد الأحداث وتأزمها, إن تلازماً معنوياً يجري بين وجود الأزمة والشخصيات الفاعلة الدخيلة التي تصنعها, وهنا تغدو الأزمة سلماً فنياً يفعل موضوعتي الشك والغيرة ويمدها بالتحول الجمالي نحو مآلات القصص القصيرة الذائبة داخل منظومة السرد المقدم درامياً بشكل عام, ففي حفل زفاف (شهرزاد) من (أنور) تظهر شابة تدعي أن أنور ساومها وتترك شهرزاد الحفل بثيابها البيضاء يساعدها في ذلك كرم, وهنا يتعالى الارتياب الذرائعي عند الطرفين, إذ لا شك أن قصة ثانوية ضمن منظومة القصة الرئيسة تحقق تأزماً للحدث الرئيس, من خلال تسبيب حدوث الشك وتبلور الغيرة, وهي –بدورها- تساعد على تعقيد المشهد, ولا سيما حين يكون الفاعل المساعد هو شريك أنور في شركته, متمثلاً بـ(كرم) الذي لا يخفي حبه لشهرزاد, وهو المتهم سلفاً بحبه لشهرزاد, بما يخلق نمطاً من الفراق المشرعن, الذي تتسبب بها هذه شخصية "الشابة" الفاعلة الدخيلة, إلا أن تعرض الفتاة اعترافها أمام التلفاز بأن أنور بيك لم يقض ليلة معها وأن الموضوع مجرد إدعاء, لكن شهرزاد تبقى في عدم اطمئنان, جراء خطيئة الليلة الأولى, وتواتر الشواهد التي تحرج العلاقة التوافقية بينهما, وهو ما يجعل شخصية الشابة توازي شخصيات المتن الحكائي في العمل الدرامي..

وإذ تدخل أبرو عكاش بدور (ياسمين) حبيبة (أنور) السابقة شريكة له, بعد أن سعى (كرم) لفض الشراكة معه في العمل, يتزامن مع ذلك سقوط طائرة يعتقد أن (أنور) كان على متنها, غير أنه حين يظهر على قيد الحياة, تبقى ياسمين حائلا من رغبة شهرزاد في مصالحته واسترجاع حبه, وبهذا تتبدد مشاعر الوصل وتموت الرغبة في الرجوع, مع وجود عائق من الشخصيات الثانوية الفاعلة, الذي يمنع ظهور الحب الدفين, إذ أن تلك الشخصيات تسهم في صناعة المشهد الصادم الذي يتوسط الانفراجة المتوقعة لحل المشاهد, بما يساعد على تعقيد الحبكة الكبرى المتمثل بنسيان خطيئة الليلة الأولى وتحقيق الحب الأبدي عبر الاقتران, ونتيجة القصص القصيرة التي تؤطر العمل بأكمله, تظل العوائق الكومبارسية زيتاً يشعل نار الغيرة التي يتسبب بها الشك جراء تلك الشخصيات.

وقد يصبح هذا النمط من القصص القصيرة -المتمثلة بمشاهد عرضية- ضرباً من التعزيز التقني؛ لإطالة أمد الفعل المحوري في المشاهد الكبرى الحاسمة, لتغدو هذه الأنماط من الشخصيات مركزيةً لا ثانوية كما يعهدها المختصون في السرد الدرامي, وهي لا تقل أهمية عن الشخصيات التي يقوم عليها العمل بأكمله, لأنها سبب في تأزيم الأحداث وتصاعد الحبكات, نحو ذروة العمل, من الناحية التقنية الجمالية, ومن الناحية التأثيرية في المُشاهِدين؛ لارتفاع مستوى قلق الانتظار نحو كسر أفق توقع ما سيؤول إليه المشاهد في نهاية كل موسم من المسلسل, وعلى سبيل التقريب فإن ظهور شخصية المهندسة (هدى) مع اقتراب المسلسل من نهايته, أسهم في الرجوع إلى المشهد الصفر في بناء السلسلة الدرامية, فبعد أن وصل قرار أنور وشهرزاد إلى ضرورة نسيان الماضي وتفصيلاته, والتخلص من كل الأزمات التي رافقت السيرة الغرامية التي مروا بها في الحياة العامة والعمل, فإنهما يعزمان على الزواج, ويحدث ذلك, ومع تحضيرات ذلك وصولاً إلى حفل الزفاف, واقتراب موسم المسلسل من الانتهاء, تضع (هدى) السم في كأس شراب الزهورات وتحتسيه شهرزاد, وتسقط جنينها, ويتلطخ فستانها بالدماء, في مشهد ينهي كل أمل عند الملتقي وعند الشخصيات دخل العمل ذاته, ومن ثم تنقل إلى المشفى, ثم تقتل (هدى) صديق شهرزاد (حسان) لأنه شاهدها وهي تقتل موظفاً في شركة الانشاءات, وإذ تشك (منى) بعلاقة شهرزاد وكرم, تقوم بفعل ثمالتها بفضيحة, يذهب كرم على إثرها إلى بيت هدى وتحت تأثير السكر يبوح لها بالليلة التي قضتها شهرزاد مع أنور أكصال, وكيف أنه دفع لها 150 ألف دولار, ويتأزم الموقف أمام أنور بشكل لا مجال فيه لأي حل لعقدتي الغيرة والشك, فضلاً عن كونه بالبوح بسر تلك الليلة واسترذاله شهرزاد لأجلها, وهنا تنطفئ جذوة الغيرة وتقرر شهرزاد مغادرة الجميع..

إن وصول سر الليلة التي قضتها (شهرزاد) مع (أنور) إلى المهندسة (هدى) يجعل من النسق التقني للسرد يسير بنحو دائري, يعود فيه إلى الملفوظ الأدائي الذي وعدها من خلاله بأن السر يبقى بينهما فقط, وهو ما جعل الشك يتصاعد بكون (أنور أكصال) يبوح بالسر, ومتهما بأنه قضى ليلة مع الفتاة الشابة, وشريكاً في العمل لحبيبة قديمة تدعى (ياسمينة), لتتأزم الأحداث مع علم أنور بأن له أبنه من عشيقته القديمة, ليتزامن كل ذلك مع شك متبادل لـ(أنور أكصال) بإزاء شهرزاد, ويتمثّل بغيرته من شريكه في العمل (كرم) لكون الأخير يظهر حبَّاً لشهرزاد, وكذلك شكه بـ(حسان) صديق شهرزاد, فضلاً عن هاجس تلك الليلة التي قضاها معها مقابل مبلغ من المال لتجري عملية لولدها (كنان).. 

وعلى الرغم من انتهاء المسلسل بمنع شهرزاد من الزواج بشخص تتعرف عليه, جراء حبها الدفين لأنور, وتعلق أبنها (كنان) به, إلا أن ثيمتي الشك والغيرة ظلتا مهيمنتين على الجسد الحكائي والأفعال الدرامية المتحققة من خلال القصص المساعدة ضمن القصة الكبرى.. 

أما المستوى الثقافي الذي فعل التواصل العلامي وحرر الشخصيات الدخيلة الثانوية نحو بروزها بوصفها متناً فيتمثل عن طريق فاعلية السلوك الشرقي القائم على حب الشرقي للمرأة الغامضة متمثلة في شهرزاد, وهو تناص تقني لم يخرج عن مضامين مسرحية توفيق الحكيم : عصفور من الشرق, والتي تقوم ثيمتها على حب الشرقي للغموض الذي لم يجده عند معشوقته الفرنسية بعد مصارحتها والتعرف على وضوحها, ومساورته الشعور ذاته الذي مر به أنور أكصال بإزاء شهرزاد في بعض مراحل وصالهما وامتلاكه لها , مع انشداده نحوها في حالة الجفاء والشعور بانفلاتها كما نلحظ في مسلسل ويبقى الحب..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Nona kh...

    Nona kh... ع رغم اني مشايفة المسلسل لكن لخصتها باسلوبك وكلامك اللبق .. والي حببني باللغةة العربيةة كلهاا هوو شخصك للممييز..تحياتي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر

ترشيح كورالي فارجيت لجائزة الغولدن غلوب عن فيلمها (المادة ): -النساء معتادات على الابتسام، وفي دواخلهن قصص مختلفة !

تجربة في المشاهدة .. يحيى عياش.. المهندس

مقالات ذات صلة

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر
سينما

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر

علي الياسريمنذ بداياته لَفَتَ المخرج الامريكي المستقل شون بيكر الانظار لوقائع افلامه بتلك اللمسة الزمنية المُتعلقة بالراهن الحياتي. اعتماده المضارع المستمر لاستعراض شخصياته التي تعيش لحظتها الانية ومن دون استرجاعات او تنبؤات جعله يقدم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram