إياد الصالحي
لم يعد الصمت حِكمَة في أوقات عصيبة تتطلّب من الرياضي أن يعبّر عن سخطه ضدّ مَنْ سرقَ أمله وحلمه وأفقرَ استعداداته وفرّقَ بين الكيان الواحد الواحدة الذي ينتمي اليه وعرّضَ لعبته الى المساومة ، إما التخنّدق مع هذا الطرف أو الانعزال ، وهو أعلى درجات الكبتْ الملغوم باليأس القاتِل للمعنويات المدافعة عن الحقوق ، وهو أيضاً إضعاف قاهِر لإرادة الرياضي لئلاّ يستصرِخ مبادئه وينتفض ضد مسؤولي الأزمة اللؤماء.
أحاديث موجعة ، وحقائق صادمة تلك التي تتوفّر للصحفي أثناء توثيقه ما يصلح للنشر من حوار مع مدرب أو لاعب أو إداري أو مسؤول ، ويحتفظ بأقوال أخرى حتى تتوفّر الأدلة القاطعة لإدانة شخص أو مؤسسة بالتقصير على ذمّة المتحدّث ، وما يستوقفنا بعد 17 عاماً من الحركة الرياضية عقب تغيير النظام السياسي في 9 نيسان 2003 أن حرية سلوك الرياضي ، وإن اختلفت حسب المستوى الثقافي ، لم تعد سقفاً لحمايته يُمكّنه من التصرّف لانتزاع حقوقه المسلوبة بموجب الدستور ، بل أصبحت أكثر خطراً عليه إذا ما تورّط في فضح شخص فاسد غَمط حقّه أو رئيس اتحاد قضى سنين عمله يَتشاكَل مع سلطة القرار الحكومي والأولمبي ، أو رئيس لجنة يُداري مصلحته وفقاً لاختيارات علاقاته ونرجسية المفاضلة بعيداً عن الضوابط المهنية ، وبالنتيجة لا يستطيع الرياضي أن يخطو خطوة واحدة وهو مُكبَّل بسلاسل الخوف من كشف الحقيقة وإلا من السهل لدى جميع المؤسسات دون استثناء أن تحارب وتقصي وتهمّش وتطرد كل من يؤرِقها ويُهدِّد مصلحتها لمجرّد تلميحه بكشف المستور!
مَنْ يتحمّل مسؤولية المعاناة النفسية التي يمرّ بها الرياضي في صراعه الداخلي بحثاً عن مخرج لمآزق اتحاده أو ناديه في ظلّ انشغال قادة المؤسّستين المعنيتين بالحقوق والواجبات (وزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية الوطنية) بترحيل الأزمات ليست لهذه المرحلة فحسب ، بل منذ عام 2004 ، ولم تشهد الرياضة الاستقرار لا قبل صدور القانون الأولمبي ولا بعده ، وظلّت الحلول المقدّمة سواء من الحكومة أو من متنفذين في المكتب التنفيذي للأولمبية تراعي (كسر الخشم) ولا تبالي لرُعاف كرامة الرياضة وحراجة مصيرها لتأهيل الابطال للدورات القارية والأولمبية وفرض الاستقرار المادي والمعنوي تنفيذاً للواجبات المُلزمة في المواثيق المحلية والدولية.
وواحدة من أسباب الاحتقان في الوسط الرياضي الذي يبدأ بموقف صغير ويكبر بجناحي الضغينة والغرور ، هو عدم تنظيم آليات العمل في المؤسّسات ، فتجربة العمل عن بُعد مثلاً من خلال الدائرة الإلكترونية بين رؤساء المواقع الرياضية والمنضوين اليها طوال مدة الحجر المنزلي تفادياً لفايروس كورونا هي ليست جديدة في الاتحادات العربية والدولية ، وحدنا من أهملنا هكذا سياقات تنظيمية غدتْ أنموذج العمل الاحترافي لإنجاز الواجبات بعيداً عن الاحتكاك المباشر والمواجهات المحتدة وما تخلّفه من أزمات شخصية ، وكذلك تحمي حقوق جميع الاطراف من خلال الوثائق المتبادلة ، وتقنّن في الجهد والوقت.
ضعف العلاقات الانسانية داخل العمل الرياضي الرسمي أيضاً له تأثيره ، فالاتحاد لا يرى وزارة الشباب والرياضة سوى وسيط حكومي لنقل المال وينتهي دورها وليس من حقّها تعزيز التطوّر الفكري بين الطرفين للتلاقح بمقترحات وجيهة وانتقادات سديدة بهدف الاصلاح ، وكذلك الأمر للأندية التي لا تكترث لأهمية الارتقاء بمفاصل إدارة المال وكيفية العناية بالقاعدة لأكثر من لعبة قدر المستطاع ، تبقى بعض إداراتها جاثمة بلا حيوية وتمارس مهامها كإسقاط فرض ، وعندما تلجأ لجنة ما منبثقة عن الوزارة أو البرلمان لدراسة واقع الأندية سعياً للخلاص من اساليب عمل رؤسائها "البالية" فإنها تواجه حرباً شرسة وتُتهم بالتآمر لإسقاط اشخاص لم يسندوا نهج الاصلاح أو أنهم دعموا مرشحين في مكاتب تنفيذية غير مرغوب بهم!
هكذا تتعطّل المساعي لانتشال الرياضة من قبضات صراع الإرادات للتحكّم بمسار القرارات المصيرية ، ويصل الأمر لدى البعض التمنّي جِهاراً بمغادرة وزير الرياضة موقعه أو استبدال رئيس اللجنة الأولمبية أو سحب الثقة من رئيس الاتحاد ليتسنّى له الاستفراد بملفات العمل وتصريف شؤون واجباته بلا ضغوط رقابية ولا حساب حتى من ضميره الخانس في ملذات ومغريات ا لمنصب!