علي حسين
منذ سنوات وأنا أقرأ كلّ ما يقع بين يدي من كتب عن اليابان، وأدهشني الأدب الياباني من كواباتا وجميلاته النائمات مروراً بكنزابورو أوي وميشيما واعترافاته، وانتهاءً بأشيغورا وموراكامي، وكنت مثل كثيرين أعتقد أنّ اليابان حصلت على جائزة نوبل للآداب فقط، فإذا بها حصدت منذ عام 1949 وحتى العام الماضي على اكثر من 30 جائزة توزعت في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب، شعب يكتب بحروف عجيبة، لكنه يقدّم لنا كلّ ما يسهّل علينا الحياة.
بعد أن خسرت اليابان الحرب عام 1945 قرّر الشعب المهزوم والجائع أن يعيد بناء المصانع والبيوت والشوارع، وكان شعاره"العمل حتى الموت"، اليوم الحكومة اليابانية تواجه مشكلة باقناع المواطنين بأن يتوقفوا عن العمل بسبب فايروس كورونا، حيث أثار رئيس الوزراء الياباني ، ردود فعل غاضبة من قبل مستخدمي تويتر بعد نشره فيديو "خليك في البيت"، وانتشر وسم "من تظن نفسك؟" بعد أن نشر رئيس الوزراء مقطع فيديو، يظهر فيه وهو جالس على أريكة يحتسي الشاي ويقرأ، مرفقا التغريدة برسالة تناشد الناس البقاء في منازلهم. وقال اليابانيون إن رسالة رئيس الوزراء تجاهلت معاناة من يكافحون لكسب العيش خلال تفشي وباء فيروس كورونا. نحن ياسيدي لا نزال نشاهد المسؤول العراقي يظهر بكل ترفه وهو يوصينا بالحذر.. بعد 17 عاما من الديمقراطية وصواريخ منتصف الليل تبين أن هناك أكثر من عشرة ملايين عراقي تحت خط الفقر.. تخيل جنابك بلاد ربحت من النفط خلال عشرة أعوام أكثر من تريليون دولار، تقرر حكومتها توزيع ألف دينار لكل مواطن فقير ربما تكفيه لشراء كيس صغير من الخبز.. 10 ملايين مواطن يعيشون بلا راتب ولا معونة حسب إحصائيات وزارة التخطيط ، وبعد كل ذلك يخرج علينا همام حمودي ليطالبنا بأن نشكر النعمة التي نعيش فيها بفضل الساسة "المؤمنين".
هناك دول تنهض من ركام العدم لتصبح أغنى الاقتصاديات وتتفوق في الرفاهية والعدالة الاجتماعية، ودول تتحول إلى مخيمات للاجئين والمشردين، وأرقام سعيدة للعطل التي ترى فيها الحكومة أنها ستبهج الشعب الذي يعاني أيضا من شعار"البطالة حتى الموت". تقول أرقامنا السعيدة إنّ نسبة البطالة بين الشباب تجاوزت الـ 40 بالمئة.
يبتسم الأديب الياباني هوراكي موراكامي حين تسأله صحيفة نيويورك تايمز عن مغزى رواياته قائلاً: "أنا أحذّر من مجتمع لا قيمة فيه للعمل المخلص "، نحن ياسيدي لا نزال ننتظر الأوامر التي تصدر عن الغرف المغلقة والتي يطلب أصحابها كلّ صباح المشورة من طهران، والتعليمات من أردوغان، أما المواطن الفقير فستوّزع عليه الحكومة مشكورة ألف دينار مع كتاب وصايا الفيلسوف إبراهيم الجعفري.
يكتب ألبير كامو في واحدة من أعمق مقالاته عن الطغيان : "ينشأ الخراب من الجهل في أحوال الناس " .