TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > العراقيون.. في المختبر السيكولوجي

العراقيون.. في المختبر السيكولوجي

نشر في: 13 إبريل, 2020: 09:08 م

 أ.د. قاسم حسين صالح

(2)

يعد تأسيس "مجلس الحكم" هو الحدث السيكولوجي الأخطر الذي كرّس رسمياً حالة تعدّد الولاءات الى طوائف وأديان وأعراق وأحزاب وتكتلات على حساب الانتماء الى العراق،وبتأسيسه نشأ تحول سيكولوجي جديد لدى العراقيين.

فبعد أن أطيح بالدولة ( وليس النظام فقط ) وافتقدوا الأمان، ودفعهم الخوف الى قوة تحميهم "العشيرة بشكل خاص،أكثر الولاءات تخلفاً"، بدأ مجلس الحكم يأخذ في وعيهم أنه الوسيلة الى السلطة.. ثم الدولة. فتقدمت لديهم سيكولوجية "الحاجة الى السيطرة" التي تؤمن لهم بالتبعية "الحاجة الى البقاء" .

وبممارسته السلطة عملياً،أشاع مجلس الحكم ثقافتين هما (ثقافة المظلومية)التي شاعت بين الشيعة والكرد،و(ثقافة الاجتثاث) التي استهدفت من كان محسوباً على النظام السابق لا سيما في أجهزته العسكرية والأمنية والحزبية والمسؤولين الكبار في الدولة، وغالبيتهم من السّنّة.وكلا الثقافتين كانت تقومان على سيكولوجية (الضحية والجلاّد). وقد تجسّدت إرادة انتقام الضحية من الجلاد باستخدام مفردة "الاجثتات" التي تعني القلع من الجذور. وكان الاجتثاث هذا أقرب الى الثأر الجاهلي منه الى التعامل الحضاري أو الشرعي أو المساءلة القانونية.

وعلى وفق المنطق السيكولوجي فإن انتصار "الضحية" على من تعدّه "جلادّها" يدفعها الى التعبير بانفعالية في تضخيم ما أصابها من ظلم، وشرعنة الاقتصاص حتى ممن كان محسوباً بصفة أو عنوان على الجلاّد. والممارسة المضخّمة لأنماط سلوكية أو طقوسية كان "الجلاّد" قد منعهم منها. فالشيعة ملأوا شوارع المدن والأحياء الشيعية بالمواكب الحسينية وزادوا في اللطم والضرب بالزنجيل، وبالغوا في وسائل التعبير عن أنهم كانوا ضحية. والأكراد أيضاً ركزوا في تجسيد ما أصابهم من ظلم، حتى صار الأمر بين الشيعة والكرد أشبه بالمباراة في تصوير ما أصابهما من ظلم. فشاعت "ثقافة الضحية" عبر صحف ومجلات صدرت في حينه بالمئات!. وتولى هذه المهمة مثقفون أو من أخذ دورهم ممن لم تكن لهم علاقة بالثقافة، نجم عنها تهميش الولاء للعراق، وتكريس الولاءات الكبرى: الطائفية والاثنية والدينية...،والولاءات الصغرى: حزب أو تكتل أو عضو نافذ في مجلس الحكم، أو شخصية اجتماعية مستقلة ومتمكنة مادياً، أو مسنودة خارجياً. وكان أكثر تلك الولاءات تخلفاً ظهور ما اصطلحنا على تسميته يومها بـ(شيوخ التحرير) الذي يذكرّنا بـ( شيوخ أم المعارك) .

وفي زمن سلطة (مجلس الحكم) حصل أن انقسم العراقيون الى فريقين: الذين كانوا في الخارج زمن النظام الدكتاتوري، والذين بقوا في الوطن وما غادروه.. وحصل أن نشأت بينهما فجوة نفسية. فمع أن عراقييّ الخارج لم يقوموا هم بإسقاط نظام الحكم بل جيء بهم الى السلطة، مع الاعتراف بدورهم النضالي والتحريضي المشروع وتضحياتهم الكبيرة،إلا انهم أوحوا لعراقييّ الداخل بأنهم أصحاب فضل عليهم بتخليصهم من الدكتاتورية، وإنهم يستحقون التمييز عليهم، وإنهم الأحق بتولي المراكز القيادية في السلطة. وكان أن نجم عن شعور الاستعلاء هذا شعور عراقييّ الداخل بالتهميش،نجم عنه أن استخدم في إسناد المسؤوليات المهمة في السلطة على أساس "الخارج مقابل الداخل" لا على أساس الكفاءة والنزاهة، وحصل أن تبوأ مراكز القرار في السلطات العليا والوسطى أشخاص بينهم كثيرون لا يحملون تحصيلاً علمياً ولا خبرة تخصصية.

وكنت التقيت جميع أعضاء مجلس الحكم، باستثناء المعممين منهم، بوفد يمثل أساتذة جامعة بغداد يوم كنت رئيساً لرابطتهم.. نطالبهم بمساواة أساتذة الجامعات العراقية بأقرانهم في دول الخليج،إذ كان راتب التدريسي الجامعي يومها بحدود مئة دولار في الشهر!

ومن طريف ما حصل أننا قابلنا الجعفري في بيت بشارع المنصور قريب من حلويات الخاصكي. قالوا لنا في الاستعلامات (لكم نصف ساعة). دخلنا.. قدمت أستاذي الراحل الدكتور حسين أمين.. تصافحا، ثم أنا.. وحين جاء دور الدكتورة ليلى الأعظمي وزميلاتها من قسمي الاجتماع والتربية..لم يصافحهن بل وضع يده على صدره.

استهل هو الحديث فبدأ من حمورابي.. مضت عشر دقائق وهو مسترسل.. رفعت يدي اليسرى وأصبعي على الساعة ليفهم الإشارة لكنه وصل الى العصر العباسي ويريد أن يكمل.. عندها رفعت يدي مقاطعاً وقلت:

- لطفا دكتور.. نحن جئنا من أجل طلب محدد، وحددوا وقتنا بنصف ساعة وحضرتك تتحدث عن تاريخ العراق وأستاذ التاريخ دكتور حسين أمين موجود، وتتحدث عن المجتمع العراقي ورئيس الجمعية الاجتماعية واستاذات علم الاجتماع موجودتين..أرجوك أدخل بالموضوع.

فأجابني جواباً لطيفاً:

- يبدو أنني كنت كحامل التمر الى البصرة!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تعطيل الدوام غداً في ذكرى النصر على داعش

الخطوط العراقية: 1523 رحلة و214 ألف مسافر خلال تشرين الثاني

العدل: تأهيل 3000 حدث خلال عامين وتحديث مناهج التدريب وفق سوق العمل

إيران تكشف لغمًا جوّيًا يصطاد الطائرات المسيّرة من السماء

هيئة الرصد تسجل 8 هزات أرضية في العراق والمناطق المجاورة خلال أسبوع

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram