علي حسين
هل يمكن أن نتخيّل عراقاً لم يظهر فيه محمد مكية ، والجواهري وغائب طعمة فرمان والسياب وزها حديد وجواد سليم وعلي الوردي ورفعت الجادرجي وناظم الغزالي ، أو صاحبة الصوت الباسم عفيفة أسكندر ، اسماء منحتنا الفرح ودهشة المعرفة ، وبعضها جعل لنا الحياة ممتعة..
بالأمس وأنا مستغرق بمتابعة ما يكتب عن الراحل رفعة الجادرجي ، قرأت تعليقات تحاول الإساءة الى الرجل الذي كانت خطيئته الوحيدة إنه أحبّ عراقاً غير طائفي وآمن بأن هذه البلاد تستحق الأفضل دائماً ..لكن أصحاب النفوس والعقول الضيقة أزعجهم أن الرجل قال قبل سنوات إنه يحترم جميع الأديان ويقدس حرية الإنسان في اختيار معتقده وإنه شخص غير مؤمن ، ومن أجل هذا كان لا بد للروح الداعشية أن تظهر عند البعض ممن يرون أنفسهم وكلاء للدين ويصرّون في خطبهم وأفعالهم على أن يثبتوا للعالم أننا خير أمة في فنون الرجم .
عندما غاب عن عالمنا الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ ، نشرالفاتيكان رثاء بقلم البابا فرنسيس مع عدد من الصور الفوتوغرافية التي جمعت الفيزيائي الشهير مع البابا بولس السادس ويوحنا بولس الثاني وبندكتس السادس عشر ، فقد كان الفيزيائي الملحد عضواً في الأكاديمية البابوية للعلوم ، ولم تؤثر أفكاره على احترام الفاتيكان له .
لم يكن رفعت الجادرجي شاعراً، لكن أعماله أرفع من لغة الشعر والنثر، كل بناء إيقاع ، كل فكرة قصيدة ، كل انحناءة حجر قافية لبيت شعر مميز، ظل يعزف لمدينته عزفاً منفرداً على الفن وعلى الحياة. عاش في قلب بغداد وطيّاتها وأزقتها ، لم يتنازل من أجلها عن شيء، ولم يساوم معها على شيء، كانت زاده وعدّته في مواجهة مصاعب الحياة، تسحره بفوضاها ويومياتها وسرعة تقلباتها من حال إلى حال، كأنها مفكرة أراد أن يكتب على حجارتها أحوال هذه البلاد. وفي الوقت الذي جاء فيه ساستنا " المؤمنين " رافعين شعارات الحرية والمساواة والعدل والقانون فوزعوا ظلمهم وجبروتهم وغطرستهم على الناس بالتساوي فيما وزعوا ثروات البلاد بين الأهل والأصحاب والأحباب، ، كان هناك رجلا يعاني مرضاً فتاكاً اسمه حب العراق .
لم يخطر ببالي أنني سوف أكتب مرة ثانية عن رفعة الجادرجي ، ليس لأنني لا أعرف قيمة الرجل ومكانته ، بل لأنني اعتقد أن هذه المساحة الصغيرة التي وفّرتها لي المدى ، لا يمكن لها أن توفي شخصاً بمكانة ومنجز الجادرجي حقه ، فالرجل الذي أصرّ على أن يكون وجه بغداد الناطق بالقسمات، الأكثر اجتهاداً في رسم ملامح هذه المدينة المحببة الى القلب، يستحق مساحة للكتابة بحجم عشقنا لبغداد.
جميع التعليقات 1
khalid muften
رحم الله رفعت الجادرجي والهم محبيه الصبر وتعسا للجهلة والاميبن من اصحاب الشهادات العليا الذي لم يعرفوا قدر الرجال المضحين بكل شىء من اجل العراق .