جاسم السدر
أُعلنت لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية اليوم عن فوز رواية "الديوان الإسبرطي" للكاتب عبد الوهاب عيساوي بالدورة الثالثة عشرة من الجائزة العالمية للرواية العربية 2020،
وكشف محسن الموسوي، رئيس لجنة التحكيم، عن اسم الرواية الفائزة بالجائزة حيث حصل عبد الوهاب عيساوي بموجبها على الجائزة النقدية البالغة قيمتها 50 ألف دولار أمريكي، بالإضافة إلى ترجمة روايته إلى اللغة الإنجليزية.
المس غلافها برفق، لئلا تعصر غيوم الدموع التي سفحها أبطالها على صفحاتها، فتبلل أرض روحك العطشى لأمثالها، وأنت تتوغل غازيا على صهوة الشغف جغرافيا صفحاتها ستقع دون أن تشعر بعشق الجزائر وشخصيات الرواية، سيأخذك عبد الوهاب عيساوي في رحلة إلى حاراتها يعرفك بأسمائها، ويسمعك تأوهات ساكنيها، وأنين أوجاعهم، سيفتح أمامك خرائط لعبة الأمم القديمة وتداعياتها على أبطال روايته الخمسة، تمهل، وأنت ترتشف عصير حروفها، فإنها رواية عصية على الوصف، سيأسر أبطالها قلبك بحبال نبل أبية تمنعك من الضياع في أودية النسيان، احذر، سيقودك بسحر كلماته إلى تنور التاريخ، ويوقد ببرج عقلك حطب أسئلة عالم مجنون بالحروب والصراعات والكراهيات، كلما هبت رياح التغيير ستسمع روحك نشيج الأسئلة الثكلى على أجنة الإجابات المجهضة.
سيقنعك بالتهام حروف كلماته التي صاغها بجمال أخَاذ سيأسر روحك، سيغرف لك بدلاء من قص ما يسكر عقلك، تتدفق روايته كأمواج هادرة أضاعت طريقها بعد ولادتها من أرحام أنهار أفواه أبطالها الخمسة، سيحفزك لتشيَد بعد الصحو صرح الديوان الإسبرطي، سيدفع بك دون أن تشعر إلى ردهة العمليات الجراحية الكبرى، وسيجري أمامك بلا مخدر وبمشارط من سرد عملية يفتح بها بطن التاريخ الحديث، وستذهل حين تراه محترفا بطرح الأسئلة البكماء التي تدلق ألسنتها من سقوف صفحات روايته تهزأ بالقناعات المريحة، والخشية من المقارنة، اطمئن، لن يملي عليك الإجابات، سيستفز عقلك، ويمنحك مفاتيح الأسئلة، ويدعك تؤثث على مهل نموذج الخارطة التي تناسب ذائقتك الفكرية.
سيغريك بمصاحبة أبطال روايته رغم اختلاف أنماطهم وتنوع اثنياتهم، ستدب في قلبك قشعريرة الدهشة كلما أصغيت لأحدهم ألقيت له بزمام عقلك مستسلما أمام روايته التي خالطت أحداثها الدامية بشاشة روحه، وتركت فيها أخاديد من الذكريات، كلما أعيد سردها أمطرت الحروف فوق رأسه شظايا، ولكن من وجع، سيأخدك على جناحي عنقاء روايته متجولا بك بين الجزائر وفرنسا، مؤشرا لك بألوان من إنصاف صوب أول أبطال روايته الصحفي الفرنسي (ديبون) الذي رافق قبل ثلاث سنوات حملة فرنسا لاحتلال الجزائر سنة 1830م، يلوك المرارة بفم يفيض بالحسرات، شتان بين أحلام الكتاب وجشع السلطة، مستذكرا ماجرى له هناك على يدي زميل رحلته ( كافيار) الذي شاركه غرفة المنام على سطح السفينة الغازية، كان يراه منكبا يقرأ بنهم من حروف كتاب، لمح بسرعة خاطفة عنوانه الغريب، وبقي سر العنوان مطمورا في قاع ذاكرته حتى كشف له (كافيار) ذات نهار شفرة (الديوان الإسبرطي) بعد أن رست السفينة على شاطئ المحروسة.
كل ما مضى كان مقدمة ليدلك بأكف من تقدير على نبلاء روايته الثلاثة، ابن ميَار، حمَة السَلَاوي، دُوجة، الأول من كبار التجار وسياسي المدينة، عقلاني واقعي، حاول عبر تبني الحوار والإقناع أن يفتك حقوق قومه، فأبى عقل السلطة الغاشم الإصغاء كالعادة، وثانيهما حمَة السَلَاوي الثائر والعاشق حد الوله للجزائر وأهلها، فارس الرواية وصعلوكها، حيث ما مضى، تسير غيوم النبل فوقه، تحميه من عيون راصديه، أما (دُوجة) الفتاة التي وجدت نفسها وحيدة، فحكايتها في الرواية ديوان آخر يستحق أن يُروى.
سيذهلك، حين تدرك وأنت تقرأ روايته كيف تمكن بمهارة من عبور منخفضات التاريخ، فأبدع رواية تاريخية ملحمية لا تهدف لإعادة حكاية التاريخ من أجل الحكاية ذاتها، بل البحث عن الأسئلة الراهنة، فدع شغفك يقودك خلف سفينة روايته، ليرسو بك على مرافئ الحاضر، لعل أسئلته الكبرى تحفزك للمساهمة بتأثيث عالم منتهى حلم الإنسان فيه، وطن، يكون فيه سيد نفسه، ومالك مصيره، وصانع مستقبله، يشيَده بلبنات من صرح الديوان الإسبرطي:
- الوعي بالحقيقة أحيانا أو ربما دائما يكون مثل سوط، ليس بمقدورك تجنبه.
- كي نغير العالم نحتاج أفكارا كبيرة نؤمن بها، ونقبل على الموت في سبيلها بسعادة.
- الرجال الحقيقيون هم من يصنعون أقداراهم.
أشهى الروايات هي التي ما إن تلتهمها حتى تمطر من سماء روحك غيوما من شغف، إنها رواية (الديوان الإسبرطي) لعبد الوهاب عيساوي .