TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: جمهورية نواب الغفلة

العمود الثامن: جمهورية نواب الغفلة

نشر في: 17 إبريل, 2020: 09:14 م

 علي حسين

عندما كان الرجل النحيل بكتفيه الهزيلتين يقف على خشبة المسرح، يذهل الجمهور بتلقائيته التي تخفي وراءها أحزان انسان تعرض للكثير من الإهمال والنسيان، حاول أن يعوضه ببث الضحك على المسرح.

كان جعفر لقلق زادة يقتبس من الفرنسي موليير بعض المشاهد الساخرة التي قرر من خلالها أن ينسي المتفرجين أنهم يعيشون المأساة كل يوم.. وهي المأساة نفسها التي نعيشها اليوم في زمن "الحجي"، فما أن يقودك حظك العاثر للذهاب إلى أي مؤسسة حكومية حتى تجد أن جميع المدراء حجاج، حتى يخيل إليك أننا نعيش في الدولة الأكثر تدينا، وعلامات التديّن عندنا معروفة وواضحة، وهي باقة جميلة من مواسم خروج السرّاق من قماقمهم، مواسم التزوير، ومواسم حصولنا على الأرقام القياسية في عدد عصابات الفرهود، ومواسم تهجير المسيحيين وسرقة ممتلكاتهم، ومواسم انتعاش الرشوة، ونهب ثروات البلد.

أتخيل العراقيين وهم يعربون عن الامتنان الشديد لدوائر الدولة التي تضم كل هذا العدد الكبير من الحجاج، ليس فقط على اعتبارهم أكثر الشعوب تدينا، بل على تذكيرهم بهذا الأمر، فقد كادوا ينسون وسط الانتصارات الكبرى التي تحققت في مجال الخدمات والإعمار والتنمية والعدالة الاجتماعية، أن مسؤولينا بفضل ورعهم استطاعوا أن ينقلوا هذه الدولة التي كانت تعيش على هامش التاريخ، لتصبح اليوم البلاد الأفضل في العالم.

"حجّاج" لم يناقشوا ما فعلوه منذ سبعة عشر عاما، لم يفكروا إلا بغريزة البقاء التي تعني بالنسبة لهم البحث عن عدو، والعدو من يقف ضد شهوتهم للسلطة واتهامه بالتهمة الجاهزة: إنهم كفار لا يريدون دولة تحكم بشرع الله، ولهذا نجدهم لا يقولون شيئا عن الفساد وعصابات النهب المنظم سوى كلمة واحدة، إن كل ما يحدث من خراب في العراق سببه ابتعاد العراقيين عن الدين ، ولهذا كان لابد للنائب حامد الموسوي ان ينبهنا الى انه ومعه " رهط " من النواب قرروا ان يغيروا اسم جمهورية العراق ، الى جمهورية العراق الاسلامية ، وقد توقع ان الناس ستصفق لهذه "التقوى " الجديدة ، لكنه ما ان لاحظ التعليقات الحادة بشأن تغريدته ، حتى اعلن البراءة منها ، وان هناك مؤامرة للنيل من سيادته . 

للكاتب الفرنسي الشهير موليير مسرحية اسمها "طرطوف"، رسم فيها شخصية رجل فاسد، يتخذ من الدين وسيلة لإشباع شهواته وهو يتظاهر بالتقوى.. وقد تحولت "هذه المسرحية" إلى واحدة من كلاسيكيات الأدب العالمي، حتى صارت كلمة "طرطوف"، تستعمل للإشارة إلى رجل الدين المنافق. والسؤال هنا: كم "طرطوف" يعيش في مؤسسات الدولة وفي أروقة الحكومة، وكم "طرطوف" يصلي ويصوم، لكنه يغش ويسرق؟.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Khalid Muften

    يتظاهر بالورع والتقوى ويكثر في الصلاة في وزارته التي وهبها له الحزب نهارا وفي الليل يسبح في بحر من الرذيلة مع الحاج حمزة .

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram