أ.د. ضياء نافع
لم نسمع باسمها عندما كنّا طلبة في بداية الستينيات بجامعة موسكو , الا ان الطلبة الروس حولنا كانوا يتهامسون حولها ,
خصوصا عندما بدأ ايليا ايرنبورغ بنشر مذكراته (الناس . السنوات .الحياة) في مجلة (نوفي مير / العالم الجديد ) , حيث أشار هناك الى اسماء عدد من الادباء الروس , الذين كانوا ممنوعين من التداول العلني آنذاك , ومنهم تسفيتايفا , وعندما سمعنا باسمها , اعتقدنا , انها شاعرة مضادة للاتحاد السوفيتي وبنيته وآيدولوجيته , مثل كل مهاجر روسي الى الغرب بعد ثورة اكتوبر1917 , وكانت هذه الآراء متبلورة وجاهزة عندنا دون ان نقرأ حتى سطرا واحدا من شعرها .
عندما انتقلت الى جامعة باريس في النصف الثاني من الستينيات , اصطدمت ( نعم اصطدمت ) بواقع آخر يختلف تماما , اذ وجدت , ان جميع الاوساط الروسية هناك يعرفون شعرها , ويتحدثون عن انتحارها التراجيدي بعد سنتين من عودتها الى وطنها روسيا ( عادت عام 1939 وانتحرت عام 1941 ) وكان عمرها 49 سنة ليس الا . وقرأت قصائدها طبعا في باريس, ولم أجد ايّ أثرهناك لذلك التصوّر الساذج الذي كان لدينا ايام الدراسة في موسكو, بل اكتشفت عالما في غاية الروعة والجمال من الشعر الروسي , ولهذا , حرصت – أشدّ الحرص - على تعريف شعرها وحياتها لطلبتي في جامعة بغداد لاحقا , وقد ذكّرني أحد طلبتي السابقين , عندما التقيته صدفة في موسكو مرّة قبل فترة قصيرة , انه لايزال يحفظ عن ظهر قلب قصيدتها الشهيرة – (يعجبني انك لست مريضا بي) , والتي كانت ضمن منهجنا الدراسي في الصف الثالث بقسم اللغة الروسية لمادة الشعر الروسي , وألقاها هذا الطالب امامي كي يثبت لي انه لازال يحفظ عن ظهر قلب تلك القصيدة وهو يبتسم , وابتسمت أنا ايضا , وقلت له , ان القصيدة هذه قد تحولت الان الى اغنية روسية شهيرة جدا .
الحديث عن تسفيتايفا ( ذو شجون ) كما يقولون , لكني اريد ان اتوقف في هذه المقالة عند مجموعة مدهشة الجمال من القصائد , التي ترجمتها تسفيتايفا الى الروسيّة , والتي اطّلعت عليها قبل فترة قصيرة ليس الا , قصائد مختارة بعناية ورشاقة من الشعر الالماني والانكليزي والفرنسي والاسباني والبولوني والجورجي والبلغاري وغيرها , وهي قصائد تستحق القراءة و التأمل فعلا , اولا , لأن شاعرة رائعة مثل تسفيتايفا هي التي اختارتها , وهذا يعني انها كانت معجبة بها طبعا , و ثانيا ,لان شاعرة عظيمة بمستوى تسفيتايفا هي التي ترجمتها الى الروسية وصاغتها, فما أروع ذلك وما أجمله.
و نبدأ الحديث قليلا عن مترجمة الشعر الاجنبي الى الروسية , الشاعرة مارينا تسفيتايفا , ونحاول ان نعطي نموذجا من تلك الترجمات .
ترجمت تسفيتايفا من الشعر النمساوي , ومنها قصيدة بعنوان – من قال لكم , ان كل شئ سيختفي , ومن الشعر الانكليزي , ومنها اغنية ستيفانو من المشهد الثاني لمسرحية شكسبير العاصفة , وترجمت من الشعر الالماني , ومنها اغنية شعبية بعنوان – اليوم الابيض لي أكثر سوادا من الليل , ومن الشعر الفرنسي , ومنها اغنية شعبية بعنوان – وأنا اقبّل حبيبتي , اقتطفت وردة , ومن الشعر الاسباني ترجمت تسفيتايفا مجموعة مختارة من قصائد غارسيا لوركا.