تواصل المدى نشر الأعمدة الثقافية، والتي سبق وأن أرسلها الفنان الرائد الراحل سامي عبد الحميد إلى المدى، بغية النشر. والمدى إذ تنشر هذه الأعمدة تؤكد الحضور الثقافي الفاعل الذي كان يميز فناننا الكبير.
سامي عبد الحميد
- 6 -
انتشرت جماليات (بيبينا) من خلال إنجازات عائلته العديدة مع كل من (جوفارا) و(سير فاندوني) وعوائل (كواغليو وغالياري) الذين وضعوا خصائص السينوغرافيا الباروكية للوفرة والفخامة واللاتماثل والاهتمام بالمزاج مع المؤثرات Chiroscuro .
القرن التاسع عشر: سار التصميم المسرحي في أوروبا وأميركا خلال القرن التاسع عشر باتجاهات متنوعة وكان لانتشار الميلودراما والفعل الدرامي أثر في تصميم الكوارث والطوفان والحرائق والمجاميع الكبيرة . فالصفات المحلية الغريبة والمراحل التاريخية القديمة والوقائع الخيالية كانت من الظواهر المسرحية الشعبية ، وقد أدى تزايد الحاجة الى المناظر الواسعة وخصوصاً بعد عام 1820 الى توجيه ضغطٍ تولى على المدراء لتطوير الآليات المسرحية واستمرارية التوافق بين العلم والحرفة المسرحية تلك التي ظهرت في عصر النهضة : ومن النصف الثاني من القرن ولتحقيق المسرح الصندوقي أو مسرح العلبة فقد استخدمت المسطحات لتشكل الجدران الثلاثة والسقف وذلك وفقاً لمبدأ الإيهام بالواقع ومتطلبات المدرسة الطبيعية والواقعية حيث استمر "أنطوان" في فرنسا في تطوير تلك التقنيات في (المسرح الحر) 1887 مصراً على إعطاء الانطباع بوجود الجدار الرابع ألا وهو الستارة واستعماله للملحقات الحية وليس المصنعة مثل اللحم الحقيقي في دكان قصاب . وفي إنكلترا فإن التحرك نحو المرئيات الواقعية والآثارية قد نال القوة الدافعة مع أزياء (بلانش) وصولاً الى الذروة مع انتاج مسرحيات شكسبير من قبل الممثل والمخرج (جارلس كين) الذي كان متحمساً لخلق الدقة التاريخية .
في عام 1881 توقف الممثل والمدير عن استخدام نظام الحفر لصالح الزرع الحر للمفردات الديكورية بمعنى أن يضع المناظر المسرحية في أي مكان على خشبة المسرح وتشخيص استخدام المناظر ذات الأبعاد الثلاثة – المجسّمة. وقد تحرك (هنري ايرفنغ) نحو المكان المسرحي البلاستيكي بالأبعاد الثلاثية وفقلل الاعتماد على الألواح المرسومة والإيهام المتطورين كالبعد الثالث . وتماشت سينوغرافيا (ايرفنغ) مع تجارب (فرقة الماينتغن في قصر الدوق جورج الثاني الذي أسس فرقته عام 1874 والذي تعاون مع مدير المسرح (غرونيك) وراح يصمم المناظر والأزياء والملحقات بنفسه . وكان يصر على تحقيق الدقة التاريخية حتى في الكلام والإيماءة والمشية والجلسة أيضاً .
كان كل من (ادولف آبيا) و(غوردن كريغ) من قمم الحداثة السينوغرافية . وكان (آبيا) من المتاطفين مع (فاغنر) الذي اعتبر ان الموسيقى هي قمة الفنون وكتب دراسة عن التصميم المسرحي للانتاجات المتخيلية بعنوان (إخراج مسرحيات فاغنر الموسيقية) عام 1895 وأتبع ذلك بكتاب آخر هو (الموسيقى والتصميم المسرحي) عام 1899 . وناقش بأنه ما دام الممثل ثلاثي الأبعاد فلا بد أن يكون المنظر ثلاثي الأبعاد أيضاً . وليس مرسوماً بالبعدين والايهام بالبعد الرابع ، وشعر (آبيا) بأن موسيقى (فاغنر) تستدعى التجريد النحتي على مسرح مزود بأقل الديكورات. وقال "علينا أن نحاول تمثيل غابة بل يكفي أن نشعر المتفرج بوجود شخص في أجواد غابة وذلك في تعليقه على تصاميم أوبرا (زيغفريد) . وما تتطلبه أجواء الغابة ليس أكثر من صورة تمثل منظراً طبيعياً تتكون من ضوء وظل . ولم يستخدم (آبيا) الضوء للتنوير أو لإعطاء الجو بل لتركيب وتحديد الفضاء المسرحي . فكرة جمالية لا تتحقق إلا بالاضاءة المسرحية قبل أن يصل الكهرباء الى المسرح .
أصر (كريغ) على أن تكون العملية المسرحية بكاملها بيد فنان واحد هو الذي يُخرج ويصمم العمل الفني الموحد بتجريد حركي للكتل المعمارية والظلام والظلال والضوء . وقد دعا الى ملء الفضاء المسرحي بمكعبات كبيرة متحركة ترتفع وتنخفض أشبه بنغمات آلة الاورغون أثناء طي شاشات ملفوفة وفتحها مع أضواء ملونة ترافقها . وقام بتجارب حلمه حول طي الشاشات وفتحها طيلة حياته وإن لم يحقق النجاح الكثير .