علي حسين
جربوا أن تحلوا معي هذا اللغز المؤلف من ستة أحرف "الكرسي" لأنني حاولت ومنذ أشهر عدة، لا جدوى، لا أمل.. في مذكرات ابنة ستالين تقول إن والدها كانت تأتيه الهدايا من معظم بلدان العالم، لكنه كان يعتز بالكراسي التي تُهدى اليه، وكان أبرزها كرسي مرصع صنع في الصين.
واجدادنا العرب نظروا إلى الكرسي كبدعة ففضلوا عليه "التخت" وفرشوا عليه السجاد والوسائد ليستلقوا عليه بارتياح، وقد ذهب إعرابي لزيارة معن بن زائدة فوجده جالسا على تخت وثير فهجاه قائلًا:
أتذكر إذ لحافك جلد شاة
وإذ نعلاك من جلد البعير
فسبحان الذي أعطاك ملكًا
وعلمك الجلوس على السرير
وقبل سنوات اطلعت على كتاب طريف بعنوان "ألف كرسي" مؤلفته شارلوت فيل، تخبرنا فيه أن الكرسي علامة على المكانة الاجتماعية والرسمية، ويعكس نفسية من يجلس عليه، وتضيف أن الإنسان عادة يفضل الكرسي الجميل والمهم، لكنه ربما لا يختار المريح.. وتذكر المؤلفة أن الآشوريين هم أول من صنعوا الكرسي وأن الصينيين طوروه، وأن الأميركيين اخترعوا النوع الهزاز والذي استبدلوه الآن بالمستر ترامب الذي يهتز عندما يسمع كلمة صحافة .
ولأننا قوم الكراسي فإن حكامنا عمرهم أطول من أعمار كراسيهم، لا تستطيع قوة أن تزحزحهم عن حكم البلاد، لا يهتز لهم جفن فهم يدركون جيدًا أن شعوبهم خانعة، خائفة، لا تملك إلا الصمت ولا يصلح لقيادتها إلا حاكم يعشق كرسيه، حكام أبطال في قهر الشعوب، قادرون على أن يقرروا بأنفسهم كل شيء، طالما قلوبهم تنبض.. ليست مهمة أبدًا أعداد القتلى من الأبرياء ولا قوائم الأرامل واليتامى، ولا تزييف إرادة الناس، فالحاكم يظل مبتسمًا على الرغم من انتشار الأمراض كالفساد والخراب والقتل على الهوية، لأنه ينعم وحاشيته بخيرات "الكرسي"، وهي كثيرة لا تعد ولا تحصى.
ولاننا نعيش في عصر وباء الانتهازية والبحث عن المنافع ، فاننا نسخر من وباء " كورونا " فهذا الشعب الذي تحمل منذ عقود طويلة كل انواع الفايروسات السياسية ، هل سيخاف من فايروس لايرى في العين المجردة ؟ ، ولهذا وجدنا الطبقة السياسية تستقبل " كورونا " بترحاب ، بوصفة سلاحا سينشغل به المواطن المغلوب على امره ، ويترك الساسة " الافاضل " يقررون مصير البلد ، ولا يهم ان فايروس اللامبالاة الذي عشنا معه اثناء احتجاجات تشرين ، راح ضحيته اكثر من 700 متظاهر ، دون ان يرف جفن للدولة او الطبقة السياسية .
نحن المساكين الذين أتعبتهم تقلبات كتلة الفتح التي أخبرتنا أمس أنها ترفض المحاصصة لكنها تريد حصتها في الحكومة ، سنظل نعيش مع " حانة ومانة " النائب محمد الغبان ، الذي يريد ان يجلس على كرسي المعارضة والسلطة معا.