TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: عزلة الحظر : مشرعةٌ على عمل وأحلام ونبوءات

قناديل: عزلة الحظر : مشرعةٌ على عمل وأحلام ونبوءات

نشر في: 2 مايو, 2020: 09:02 م

 لطفية الدليمي

لاشيء مختلف لدي في زمن الكورونا سوى الهدوء الذي لالون له في الشارع ، هدوء لاتشوبه كركرات طفل وبكاء آخر؛ فجوار البيت دار حضانة تبث موجات إيجابية من عشرات الصغار الرائعين وهم يخطون أولى خطواتهم على أرض البشر .

لاشيء سوى هدوء يمازجه شعور بعدالة كانت مستحيلة لآلاف الأعوام من عمر البشرية ، وهاهي - في الزمن الكوروني - تطوينا جميعاً تحت جناحيها الوارفين ، وأرانا جميعاً نجابه تحدياً واحداً ونقاسي القلق ذاته ؛ فأية عدالة رحبة هذه التي تتسع لجميع مخاوف سكان الكوكب ؟ 

تكدّرت الحياة على نحوغير مسبوق وطال الخوف من الموت الجميع وكأن الموت اكتشاف مفاجئ لم يألفوه ولاسمعوا به ، شعر البعض بالامتنان للعطالة المباغتة التي لم يحلموا بها : الضجرون المولوِلون يواجهون محنة الحظر المنزلي بالتذمر والتشكي ، وينسون أنهم آحاد من سبعة مليارات إنسان مهدد بالوباء ، البعض صاروا يحومون كالحمائم والعصافير في أقفاصهم البيتية ويتصادمون بالإرادات والجدران والأجساد طوال الوقت . معظم البشر في بلداننا هربوا إلى النوم في انتظارماسيجيئ ، إستجدت فعاليات إحتفالية لدى البعض وفاحت روائح الكيك والمعجنات والشواء من البيوت ؛ فالناس في مآدب عائلية متصلة تتعالى خلالها أصوات شجارات حول المكانة وقيادة الأسرة في أجواء العزل الصحي ، تنشأ المشاكسات وتتفاقم لتصبح معارك مصيرية ولاشيء مفاجئ ، القلة من البشر إحتفى بكتب لم يتسن لهم قراءتها من قبل ، بعضهم عمد إلى تعلّم الانكليزية أو الفرنسية عبر النت والتسجيلات .

سياق حياتي هو ذاته لم يتغير : عزلة ممتعة مع الكتب والموسيقى والأفلام وحوارات ونقاشات عبر الحدود مع أبناء وأصدقاء ، الحظر لم يفاجئني ، أواصل رعايتي للزهور وشجيرة الآس والياسمين والأزاليا ، لاشيء جديد سوى صفارة الإنذار تطلق في السادسة مساء تحت غيوم مذهبة ونسائم محملة بأريج الزهور، لاشيء تغيّر باستثناء افتقادي للأصدقاء الذين كنت احتفل بهم في أماسي نهاية الأسبوع ، لاشيء فحياتي تزدهر بإنجاز كتب جديدة ومواصلة العمل على كتابي ( كراساتي الباريسية ) وقراءاتي .

لاشيء تغير. ثمة أحلامٌ ومشاريع وأفكار تتزاحم ، ثمة قلق يدب خفياً في الروح أمحوه بالإنصات للموسيقى أو بإطلالة على مشهد المدينة البانورامي من شرفتي وشهوة الحياة تتدفق في عروقي وكأنني سأعيش أبداً ، لاشيء من الكدرأو اليأس ؛ فمصيرالإنسانية اليوم مشتبك بتهديد واحد ونجاة مرتجاة ، لاشيء سوى نبوءات حلوة تنهمر كنجوم سائلة فوق القلب ، نبوءات عن عالم يستعيد عافيته وبشر يتفكرون في تغيير أنماط العيش والعادات المستبدة ، نبوءات أشبه بالرؤى تراود الروح عن عالم ينضو عنه معضلات الأمس واليوم ويرنو للتجدد . أتشبث بالمباهج الصغيرة في عزلتي ولاأفرط بالزمن ، أحلّ مشكلة وأتخطى أخرى فأفوز بسعادة وامضة . أعيش اللحظة وأصنع مايعدني بوعد مبهج ، أنتشي بلحظة السعادة وأعلم أنها لاتدوم غير ومضة برق ، ومن مجموع ومضات يتشكل نور يضيئ المدى أمامي ويمهّد لانعتاق الروح من الأثقال الأرضية ، وبهذا وحده بوسعنا الإفلات من تعاسة تداهمنا فنقاومها بأفعال ، نبتكر ونعطي فتفعم قلوبنا إنبهارات الحب وعطايا البهجة ، نتعلم مهارات جديدة كل يوم فنعوم في لجج الفرح : فرح التعلم وفرح الإنجاز والحلم.

شخصياً أنسى الكورونا وأتجاهل هلع الأصدقاء ، أمارس التأمل فتومض الآمال والمشاريع والنبوءات في نهارات الحظر ولياليه الساكنة .

لم يتغير شيء لدي مع الحظر الكوروني ؛ فأنا اتمسك بعزلتي ذاتها منذ سنوات وأمضي في الزمن طليقة أراقب النفس وأتقبل ضعفاً إنتابها لبرهة خوف وأحزن على عون توانيتُ في إسدائه ووعد عجزت عن الايفاء به .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram