د. فالح الحمـراني
كان أحد شعارات احتجاجات تشرين الأول هو "الشعب يريد الإطاحة بالنظام" بيد أن المحتجين لم يحصروا مطالبهم على ذلك. إنهم يريدون الابتعاد عن نظام المحاصصة في هذا النظام، وهو قانون غير مكتوب، وغير مدرج في الدستور، ولكن وفقاً له استلمت الجماعات العرقية - الطائفية مناصب معينة بذريعة نصيبها من السكان.
والآن ، بالطبع ، يحتاج السكان إلى الإصلاح. ولكن وفقاً للتسريبات الأخيرة المصاحبة لعملية التحضير للتصويت في مجلس النواب للموافقة على تعين المكلف لرئاسة الوزراء مصطفى الكاظمي، فإن القوى المتنفذة بالقرار لا تنوي ترك هذا النظام، لأن هذا النظام نفسه يعيد إنشاء و جذور هذه القوى هناك - لقد حصلت على قوتها بفضلها.
السكان يحتجون ، ولكن هل سيكونون قادرين على تحقيق ما يريدون؟ يقولون إن كل الفساد هو مخاض هذا النظام ، وكلمة (الفساد) هي الآن أهم شيء في العراق. لكن الابتعاد عن هذا النظام صعب للغاية - كل هذه العناصر تتكاثر.
ووفقاً لقراءة نُشرت في موقع "المجلس الروسي للشؤون الخارجية" فإن النخبة الحاكمة لن تذهب إلى الى أي مكان ؛ وسيبقى هؤلاء الناس في السلطة. لكن مطالب المحتجين داخل العراق ستؤدي إلى أن تكسب القوى الوطنية المعارضة لنظام المحاصصة المزيد والمزيد من الشعبية والسلطة في البرلمان. ولوحظ نمو القوى الوطنية منذ عام 2014 - منذ اللحظة التي احتل فيها تنظيم داعش الإرهابي ما يقرب من نصف أراضي البلاد. ولكن العراق تمكن من إلحاق هزيمة بهذا "المرض" بمساعدة شركائه وحلفائه، بما في ذلك إيران والولايات المتحدة وروسيا. وتحقق شيء الاستقرار في هذا الوضع. ولكن الآن هناك الكفاح يجري ضد الفساد، وضد عدم فعالية النظام، وعدم فعالية الحكومة ، ووفقاً للقراءة : سيكون هذا هو المحرك الرئيس الذي يحدد جدول الأعمال السياسية في المستقبل. وستستخدم القوى السياسية ذلك شعار " نريد وطناً "في خطابها.
ووصف تقرير ل " مؤسسة الثقافة الستراتيجية " ما شهدته بغداد في 9 نيسان بالحدث الذي يمكن تسميته بحلقة جديدة في "المسلسل العراقي اللامتناهي". مشيراً الى تقديم عدنان الزرفي ، الذي تم تعيينه في منصب رئيس الحكومة في 17 آذار ، استقالته وأصدر بياناً اعتذر فيه عن عدم قدرته على تشكيل مجلس للوزراء برئاسته. وأشار إلى "أسباب داخلية وخارجية" ، دون تحديد معنى ذلك ، ولكن كان واضحاً للمراقبين منذ البداية أن الزرفي شخصية لا يمكن تجاوز الفيتو المفروض عليه. فقد واجه معارضة شديدة ليس فقط من الكرد والسنًة ، ولكن من الفصائل الشيعية. واتهم زعيم جماعة عصائب الحق على سبيل المثال، رئيس الدولة بمحاولة "تسليم مصير العراق في أيدي الولايات المتحدة".
وفي نفس اليوم ، 9 نيسان ، كلف الرئيس برهم صالح مصطفى الكاظمي رئيس جهاز المخابرات العراقية بتشكيل الحكومة الجديدة. وقد طرح هذا الترشيح قادة مجموعات فتح والحكمة ودولة القانون بعد أن زار قائد كتائب القدس الايرانية العراق. ولم يعترض على هذا التعيين زعيم كتلة سائرون ، السيد مقتدى الصدر .
وظلت بعثة الأمم المتحدة في العراق ، مرتبكة تماماً بشأن ما يجري، وعدم فهم ما يحدث ، واقتصرت على بيان في تويتر ، حيث شكرت عدنان الزرفي على العمل (الذي لم يبدأ حتى) وهنأت المرشح الجديد - السادس أو السابع على التوالي من تشرين الثاني من العام الماضي. التقرير يرى يد طهران واضحة وراء كل هذا . لكن هل حساب الإيرانيين صحيح؟ وماذا يمكن أن نتوقع من رئيس الوزراء الجديد إذا وافق عليه البرلمان ونجح في تشكيل الحكومة؟
للاجابة على هذا السؤال الحساس والحيوي استعادت القراءة محطات السيرة الذاتية للمكلف الجديدة برئاسة الوزراء معيدة الأذهان إلى أن مصطفى الكاظمي ولد في بغداد عام 1967. وبرأيها أنه ومن أجل تجنب تجنيده في الجيش ، هرب عام 1985 أولاً إلى ألمانيا ، ثم إلى بريطانيا العظمى ، وفسر ذلك لاحقًا "بالصراع مع نظام صدام حسين". وعاش لفترة طويلة في المنفى ، على أجور كتابة مقالات في الطبعة الأميركية لبوابة "المونيتور" تحت الاسم المستعار مصطفى الكاظمي ثم أخذ الاسم المستعار كاسمه الرسمي (الاسم الحقيقي - مصطفى عبد اللطيف مشتت). وعمل كمحرر في مجلة ألإسبوعية. وبعد احتلال العراق ، عاد إلى البلاد ، وتعاون لمدة ثلاث سنوات مع الإدارة الأميركية ، والتقى بالكثير ممن تولوا بعد ذلك مناصب رفيعة في الحكومة.
لكن التذبذب ، والكلام ما زال للتقرير، بين إدارة الاحتلال و دوائر "الهجرة القديمة" لم يساعده. وأصبح مصدر رزق الكاظمي مرة أخرى الصحافة والدوريات التي وصفها بالمشكوك فيها. في عام 2012 ، تخرج من دورة مسائية في كلية الحقوق الخاصة بتقدير "مرضٍ ". ويرصد التقرير أيضا أن كل شيء تغير مع تقربه من عضو بارز في حزب الدعوة الإسلامية من دائرة نوري المالكي (زعيم الحزب آنذاك). وأصبح مصطفى عضواً في هذا الحزب ، وتم تقديمه إلى زعيمه ، وكانت النقطة المهمة عندما احتفظ بمنصبه كمدير لرئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي. وعيّن حيدر العبادي مصطفى الكاظمي في حزيران 2016 وهو شخص ليس لديه خبرة أو تعليم أو معرفة ، كرئيس لجهاز المخابرات القوي في العراق بدلاً من اللواء المعتمد زهير الغرباوي.
ويمضي التقرير بالقول إن هذا التعيين كان مدعوماً من قبل قيس الخزعلي الذي نص على شرط واحد: إذا حققت الحكومة الجديدة انسحاب القوات الأميركية. وهنا تبرز الإشكالية الرئيسة مرة أخرى ، فهل ستتمكن الولايات المتحدة من الحفاظ على وجودها العسكري في العراق؟ واشنطن ، بكل المقاييس، لا تنوي الولايات المتحدة سحب قواتها وهي تؤجل خروجها حتى مناقشة رسمية لهذه القضية. كما يعبر بعض الخبراء المهتمين بالشأن العراقي عن رأي مفاده أن القوات الأميركية لن تغادر العراق ، لكنها تعيد هيكلة مواقعها في إطار خطط واشنطن العسكرية السابقة (يبقى الأميركيون في القاعدة في عين الأسد ، وفي القاعدة القريبة من أربيل ، في أماكن أخرى) .
وكأنه تأكيد لذلك ، نشرت وكالة صابرين نيوز العراقية للأنباء المرتبطة ب "الميليشيا الشعبية" ، سلسلة من الصور تظهر زيادة كبيرة في القدرات القتالية للقوات المسلحة الأميركية في العراق. وتم التقاط الصور بواسطة طائرات بدون طيار تابعة لقوات الحرس الثوري الإيراني وتشير إلى أن جميع أعمال الأميركيين يتم رصدها عن كثب. في الصور ، يمكنك أن ترى أن البنتاغون يركز اهتمامه على الحماية من الهجمات الصاروخية وتعزيز قدرات طائراته المقاتلة بالقرب من الحدود مع إيران. وأعادت الأذهان إلى أن الولايات المتحدة نفت في البداية الخسائر الناجمة عن هجوم صاروخي شنه الحرس الثوري الإيراني على قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار في 8 كانون الثاني ، ولكن أصبح من المعروف بعد ذلك أن أكثر من 100 جندي أصيبوا بصدمة. بعد الضربة الإيرانية على قاعدة عين الأسد (أحد المواقع الرئيسة للقوات المسلحة الأميركية في العراق) ، وتم على عجل وضع بطاريتين باتريوت سام.