اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: حفلة في قرية هولندية

باليت المدى: حفلة في قرية هولندية

نشر في: 4 مايو, 2020: 09:18 م

 ستار كاووش

تناهت الى سمعي طرقات خفيفة على نافذة المرسم المقوسة، نظرتُ من خلال الزجاج المعشق بالرصاص، فإذا بجاري يوريس الذي يعيش هو وزوجته مارغريت في مزرعة قريبة من المرسم، يبتسم ويحييني بيده، فأشرت له بالالتفاف والدخول من الباب.

بادرني يوريس بعد أن مسحَ حذاءه الخشبي على قطعة اللباد الخشنة التي استقرب عند المدخل (بما إنك الرسام الوحيد في القرية، لذا جئتك بطلب عاجل) فأشرت له بكلتا يديَّ كي يكمل حديثه، فقال (تعلم أن حفلة عيد القرية ستقام يوم السبت القادم، لذا أطلب منك -ان كان لديك الوقت- أن ترسم لنا شيئاً بسيطاً يشبه الاعلان، نضعه على باب الخيمة التي ستقام فيها الحفلة، لا تكلف نفسك كثيراً، نحن فقط نحب أن تساهم معنا بشيء)، وافقت مباشرة على ذلك، وأثناء خروجه إلتَفَتَ نحوي وهو يفتح الباب قائلاً بمكر( سأحضر لك مساءَ غد قنينتي نبيذ رائع صنعته والدة زوجتي، فأنا اعرف كيف يحتاج الرسامون الى وقود جيد، كي ينتجوا أعمالاً جيدة). 

كانت التحضيرات تجري على قدم وساق، وقد بدأت معالم الحفلة بالظهور حين ثَبَّتَ هارم وفرانس في مدخل القرية، طاقاً خشبياً كبيراً بإرتفاع خمسة أمتار تقريباً، وزيَّنوه بالزهور، لتمر من تحته السيارات التي تدخل القرية أو تخرج منها، وقد عُلِّقَتْ في وسطه يافطة كتب عليها (مرحباً بكم في آنسين)، بينما إنشغل بعض الأهالي بحصد حقل قمح واسع، وتمت تسوية الأرض لتنصب عليها الخيمة الكبيرة التي تشبه مخيمات السيرك المتجولة. مرت الأيام المتبقية بسرعة وحان وقت الحفلة، وقد أحاطت بالخيمة بعض الاكشاك الصغيرة التي تطايرت منها روائح البطاطا المقلية والسمك المدخن والحلوى والكثير من الأطعمة المختلفة التي يتجمع حولها الفلاحون قبل وبعد الحفلة لتناول الوجبات السريعة. 

في مدخل الخيمة أخذ خيريت (صاحب المشرب الوحيد في القرية) مكانه خلف طاولة صغيرة وهو منشغل ببيع أقراص بلاستيكية صغيرة بحجم الدرهم للداخلين الى الخيمة، ليستخدمونها لشراء الشراب بدلاً من دفع النقود( كل قرص مقابل كأس من الشراب) وهكذا يشتري كل محتفل، عشرين أو ثلاثين قطعة بثمن يورو واحد لكل قطعة، فيما فضلتُ أنا -بسبب ظروفي المادية وقتها- شراء خمس قطع فقط، أشغل نفسي بها حتى تحين الساعة العاشرة أو الحادية عشرة، فعند هذا الوقت يفضل الكثير من الفلاحين العودة الى بيوتهم رغم تبقي عدد من هذه الأقراص لديهم، لذا يعمدون على تركها فوق هذه الطاولة أو تلك، بينما أنا أتربص وأراقب الطاولات كي انقض على أية قطعة تلتمع هنا أو هناك، لذلك يمكنني القول ببساطة إن حفلتي الحقيقية تبدأ بعد الساعة الحادية عشرة مساءً. 

تركت الكرسي ووقفت أحرك يدي تحية لجاري آرند وشقيقه برتوس وهما يصعدان الى خشبة المسرح التي بُنِيَتْ من المناضد الخشبية التي توضع عادة تحت البضائع. لقد تعود الشقيقان على التمثيل كل سنة في هذه الحفلة، وهم يحتفظون بملابس متنوعة تناسب نوع الشخصيات التي يمثلونها وسط تصفبق الفلاحين، وفي أحيان كثيرة يكتب آرند نصوصاً تناسب هذه العروض القصيرة المرحة، لكن المفاجأة هذه السنة كانت بصعود يان الذي يسكن في نهاية شارعنا الى المنصة أيضاً، ليمثل أحد الأدوار الهزلية الصغيرة، لكن ما قام به ليس سيئاً بالنسبة لبائع مقانق ومربي ماشية. قضيتُ بعض الوقت وأنا أحيي هذا واتحدث مع ذاك واشرب مع هذه، أتابع الرقصات والموسيقى وأستعيد بشكل كامل لوحات الرسام بيتر برويغل الذي رسمَ فلاحي هولندا ورقصاتهم وأعيادهم وهم يتمايلون، تتملكهم نشوة عالية في أراضيهم المنخفضة. 

حلَّتْ الساعة العاشرة وسط الهزل والأغاني والرقص، وقد بدأ بعض الفلاحين يخرجون تباعاً، وأنا أهمُّ خلسة بجمع أقراصهم الفائضة عن الحاجة والتي تركوها على الطاولات. وبينما كنت منشغلاً بالحديث مع أحد الجيران، إقتربت مني العمة لأمي وزوجها هنك الذي مدَّ يدهُ لجيب سترته وأخرج سيجاراً طويلاً قدمه لي قائلاً (انه مناسب مع النبيذ الأحمر) ليكمل حديثه (احمل معي دائماً عدداً احتياطياً من هذا السيجار)، رمقتني لامي بإبتسامة أمٍ طيبة وقد توردَّ خداها بعد كأسين من نبيذ القرية، ليمضيا نحو باب الخيمة ويخرجان بعد أن فرش هنك بعض الأقراص المتبقية لديه على حافة إحدى الطاولات. غابا في الخارج وسط رائحة الأطعمة المختلفة، فتسللتُ بدوري الى الطاولة ووضعتُ كأسي بجانب الدراهم البلاستيكية، ثم تظاهرتُ بالتصفيق لإمرأة تراقص زوجها، وجمعت الأقراص بهدوء ووضعتها في جيبي متمنياً أن تدوم الحفلة الى الأبد. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram