ترجمة / أحمد فاضل
الجريمة والدراما الهوليوودية ، خصوصاً تلك التي ترتكز بمحتواها على التصرفات المفعمة بالتهكم والتشاؤم والدوافع الجنسية .
وتمتد حقبة أفلام النوير الكلاسيكية الهوليوودية من بداية أربعينيات القرن العشرين حتى آواخر الخمسينيات ، وقد لازمها في تلك الفترة تحديداً أسلوب بصري قائم على التصوير القاتم بالأبيض والأسود، حيث يعود بجذوره إلى التصوير السينمائي الخاص بالموجة التعبيرية الألمانية ، ويلاحظ أن الكثير من قصص أفلام نوير الأولى وسلوكياتها ، استمدت روحها من مدرسة قصص الجريمة والتي تمزج بين العنف والقتل والجنس بأسلوب قاسٍ وحاد ، عرفت هذه القصص في الولايات المتحدة خلال فترة الكساد الاقتصادي .
وبعد هذا التعريف البسيط ربما كانت النوير موجة مؤقتة متجذرة في القلق الذي ساد في أعقاب الحرب العالمية الثانية وحتى بعد انتهائها ، وهناك أمثلة لأفلام سارت وفق نهجها منها :
"بيلي وايلدر" الذي تم تقليده كثيراً ، مع فريد ماكموري كبائع تأمين يقوم بالتآمر مع باربرا ستانويك لقتل زوجها ، وفيلم إد غار أولمر مع توم نيل كعازف بيانو ، أثناء المشي ينتهي في سيارة مع رجل ميت ومن ثم مديناً لمبتزة لا ترحم (آن سافاج) ، يجسد الفيلم إحساس نوير القاتم بمصير ثلة من الأشخاص المعروفيين بأهوائهم المتقلبة وأمراضهم النفسية التي كثيراً ما تدفعهم لسلوك طريق الجريمة .
وليس هناك أفضل من فيلم " في مكان وحيد " اشتمل على كل ما قلناه آنفاً ، فهو يحتوي على عناصر من الغموض والميلودراما ، ومع ذلك ، فمن المؤكد أنه واحد من أكثر الأفلام صراحة للتعامل مع العنف المنزلي ، وهو هنا فيلم قاسٍ للغاية ، كتب السيناريو له ادموند أتش و اندرو سولت ، قصة دوروثي بي هيوز ، ومن إخراج نيكولاس راي ، بطولة همفري بوغارت في دور ديكسون ستيل ، غلوريا غراهام في دور لوريل غري ، ومجموعة أخرى كالممثل كارل بنتون ريد في دور النقيب لوتشنر ، فرانك لفجوي وديت في دور الرقيب بروب نيكولاي ، تصوير بورنيت غيوفي ، مدة عرض الفيلم 93 دقيقة ومن توزيع شركة كولومبيا بيكتشرز .
الفيلم عرض عام 1950 ، مقتبس عن رواية صدرت عام 1947 تحمل نفس عنوان الفيلم من تأليف دوروثي بي . هيوز ، ويعتبر الفيلم مرجعاً سينمائياً لأفلام نوير الكلاسيكية ، تدور أحداثه حول كاتب السيناريو العنيد يدعى ديكسون ستيل (همفري بوغارت) يتورط في جريمة قتل جارته بالقرب من شقته ، تدعى لوريل غرَي ( غلوريا غراهام ) التي ستصبح عما قريب ممثلة ، والتي بدأت تسحره رغم أنه صعب المراس وينفر منه الناس ، حيث أزيلت عنه الشكوك أمام النيابة ، لكن بعد فترة بدأت تشك فيه مرة ثانية .
ديكسون ستيل لم يكن كاتباً محظوظاً و لم يحظى عند صناع السينما بكتابته للسيناريو ، في افتتاحية الفيلم نشاهد في ليلة حالكة يقود لوحده السيارة لتلبية طلب وكيله ميل ليبمان ( الفن سميث ) في أحد الملاهي الليلية ، لكن عند توقفه في إحدى إشارات المرور ، انفجر ديكسون غاضباً عندما أهانه سائق عنوة بسبب زوجته المعجبة بديكسون ، فهو إنسان
مزاجي ووغد بكل معنى الكلمة ومدمن خمور ، و خاصة في أوقات الظهيرة و يدخن السيجار بكثرة ، بارع في إهانة وكيل أعماله ، وبسبب دفاعه عن أحد الممثلين المخضرمين ، تعرض للأهانة من قبل أحد الممثلين الجدد ، و في نهاية الأمر أدى إلى شجار داخل الاستديو ، مما أحدث مشاجرة ثانية مع مُخرج العمل .
الفيلم يتناول موضوعاً رئيساً عن جريمة مجهولة المصدر ، و عن علاقة رومانسية ، و يتناول موضوعاً ثانوياً عن النقد اللاذع لبعض العادات الموجودة في هوليوود ، و مطبات المشاهير ، و كذلك يفتح موضوعاً عن الصعود إلى قمة الشهرة وأيضاً الهبوط المريع من تلك القمة ، وعن اتهام رجل بجريمة قتل لن تُحل بسهولة .
الفيلم تم طبعه مجدداً على شرائط دي . في . دي عالية الوضوح ، وسيكون بإمكان محبي أفلام نوير مشاهدته بكل لهفة وهم محجورون في منازلهم بسبب جائحة فايروس كورونا القاتل .
عن / صحيفة نيويورك تايمز