ترجمة : عدوية الهلالي

تمكن الكاتب الايطالي باولو جيوردانو مؤخرا من اصدار دراسة فلسفية كتبها في روما خلال جائحة فايروس كورونا، وقامت دار لوسويل الفرنسية بنشرها، وتمزج الدراسة المادة البحثية العلمية بالنص الادبي الفلسفي، وهي تحمل عنوان (العدوى)..

يقول جيوردانو ان من المفيد للمرء أن يستغل ساعات الحبس المنزلي الطويلة في قراءة كتاب بدلا من الاستسلام للكسل، لكن من المهم ان يكون الكتاب بنّاء ومثيرا للجدل ليبعد القارئ عن تلك المشاعر المفككة والافكار المتذبذبة التي تنقلها اليه الشبكات الافتراضية والتي بتنا نحوم حولها كالفراشات حول المصابيح..

وهكذا، وفي الوقت الذي يبدو فيه وكأن العالم كله يدور حول فكرة واحدة وهي القلق من انتشار الفايروس الوبائي الذي استعمر كوكبنا، بحيث اصبحت القارات معزولة عن بعضها، لا بد للكاتب الحريص من ان يكون أكثر حكمة وحذرا في اختيار المادة التي تجعل القارئ يغادر مكانه من دون ان يخرج من المنزل..

يرى جيوردانو ان الفايروس يذكرنا بتلك العلاقات التي تربطنا مع بعضنا في كل مكان فضلا عن تعقيدات العالم الذي نعيش فيه، مؤكدا ان "أداة العدوى الحقيقية هي البشر! لأننا أكثر الانواع غزوا واكتساحا وتدميرا لكل نظام بيئي جميل".

اشتهر باولو جيوردانو، المولود في عام 1982، بروايته الاولى (عزلة الاحبة) التي حققت مبيعات هائلة بلغت أكثر من مليوني نسخة وتم نشرها في عام 2008 في منشورات موندادوري الايطالية ومنشورات لوسويل الفرنسية، وهو ليس كاتبا فقط بل فيزيائي وروائي وكاتب سيناريو.. وكان جيوردانو اعلن بعد نشر كتاب (العدوى) الذي ترجمته للفرنسية ناتالي باور، ان حقوق الطبع ستذهب للأبحاث الوبائية.. اما فكرة الكتاب فقد نشأت لديه من مقال نشره في بداية انتشار الوباء في ايطاليا لاقى ردود فعل جيدة حول الحذر من تعقيد المعلومات وارباك الناس الذين شعروا بالاحباط أمام فوضى الاخبار.. من هنا، استخدم جيوردانو اسلوبا شفافا يمزج ما بين المعلومة البحثية والنص الادبي مع الاهتمام بالوضوح والتبسيط المستمر، لدرجة ان القارئ سيشعر منذ الصفحات الاولى بانه يجلس في قاعة درس جامعية امام استاذ يلقي درسه بطريقة توضيحية مدهشة وهو ماسيحقق الهدفين معا.. امتاع القارئ وايصال المعلومة العلمية والفلسفية المبسطة اليه..

فعلى سبيل المثال، يقارن جيوردانو بين البشر والكرات المتصادمة بالتبادل، فيقسم البشرية الى ثلاث مجموعات هي (القابلة للاصابة، أي الاشخاص الذين يمكن للفايروس أن ينتقل اليهم بالعدوى) و(المصابون، وهم الاشخاص الذين انتقلت اليهم العدوى بالفعل) و(المرفوضون، اي اولئك الذين لن تصل اليهم العدوى)..

ويرى جيوردانو ان عملية التدمير البيئي حرمت العديد من الكائنات الحية من بيئتها المضيفة، ما أدى الى ان تصبح الفايروسات "لاجئة" لدينا من التدمير البيئي!.. ربما هي فكرة غريبة لكنها واحدة من افكار هذا الكتاب الصغير المدهش، اذ يتكون من 60 صفحة فقط، ومن المؤكد انه سيشكل راحة حقيقية لاولئك الذين يسعون الى صياغة كلمات تعبر عن الوضع الذي نعيشه، وربما سيغرس فيهم لمسات من التفاؤل والأمل، وهو أمر جيد بالتأكيد في هذه الفترة..