TOP

جريدة المدى > عام > موسيقى الاحد: الموسيقى والعمارة.. (في رحيل الجادرجي)

موسيقى الاحد: الموسيقى والعمارة.. (في رحيل الجادرجي)

نشر في: 9 مايو, 2020: 08:49 م

ثائر صالح

العلاقة بين فن وعلم العمارة بالموسيقى معروفة، وموثقة في أبحاث كثيرة. والأمر يتعدى تصميم قاعات الموسيقى والأوبرا التي هي فن رفيع بحد ذاته،

فهو يمتد حتى بحث العناصر "الموسيقية" في العمارة، والعلاقة المعاكسة، أي تأثير العمارة على العمل الموسيقي ذاته من ناحيتين، الأولى تغير مواصفاته وتأثيره بتغير المكان (العنصر المعماري) والثانية هي احتساب التأثير المعماري للقاعة على الموسيقى ذاتها أثناء عملية الابداع والتأليف. فالموسيقى تبدو مختلفة باختلاف القاعات، إذ لكل قاعة مواصفات صوتية (أكوستية) مميزة ومحددة، ونعرف أن باخ كان يختبر صدى الكنائس التي يعزف فيها على الأورغن بحساب وقت الصدى ليقرر بعدها نوع الموسيقى التي سيعزفها بحيث تكون صوتيات المكان متناسبة معها. من جانب آخر كان يضع الخصائص الصوتية لكل مكان في حسبانه عند تأليف الأعمال، وهذه عملية واعية عند المؤلفين على الأغلب. فالأعمال الدينية الغنائية للموسيقار الإنكليزي العظيم توماس تاليس (1505 – 1585) التي كتبها لكورس متعدد الأصوات مناسبة تماما في الفضاء الداخلي للكاتدرائيات المبنية في وقته حسب نوعية ومدى الصدى. لكن تقديم أنواع أخرى من الموسيقى، مثلا الموسيقى الشعبية الأفريقية بإيقاعاتها المعقدة والسريعة، في نفس الكاتدرائية هذه يجعلها مرتبكة بسبب تداخل الإيقاع بفعل الصدى مما يفقدها قيمتها وتأثيرها.

والموسيقى تغيرت مع تغير العمارة، إذ مع صعود الرأسمالية وتوسع الاستهلاك مع توسع الطبقات الوسطى ظهرت الحاجة الى بناء قاعات موسيقية أكبر حتى تستوعب الأعداد الكبيرة من الناس، بالتالي ازداد عدد العازفين في الأوركسترا لتقوية الصوت وملء الفضاءات المتوسعة، وارتفع تردد الطبقة القياسية أملًا في تعزيز قوة الصوت وجعله أكثر بريقًا. فعدد عازفي فرقة الأمير أسترهازي التي قادها هايدن كان بحدود 13-15 عازفًا، وبلغ العدد في أوج توسعها 22-24 عازفًا استعملوا تردد لا=332 هرتس، وهي التي عزفت سيمفونيات هايدن الشهيرة التي تقدمها اليوم فرق يبلغ عدد أعضائها عدة أضعاف بتردد يزيد على 440 هرتس، والسبب هو حجم القاعات التي تقدم فيها الموسيقى هذه. وبدأ العدد يتزايد مع دخول أدوات جديدة وزيادة عدد أعضاء اقسام الأوركسترا حتى وصوله القمة في بعض الأعمال الرومانتيكية مثل سيمفونية مالر التي تُكنّى بالألفية في إشارة مبالغة الى عدد الموسيقيين والمغنين الذين يشترطون في هذا العمل الضخم.

حصل تغيير كبير في الموسيقى (وعلى الأوركسترا) مع ظهور الراديو، والميكروفون والتسجيل. أعادت التقنية الحديثة صياغة الكثير من المسلمات بدءًا بالصوتيات الى التلاعب بالتوازن الصوتي بين أقسام الأوركسترا. فما عاد عدد العازفين هو الأساس في تسجيل الأعمال الموسيقية في الستوديو، بل نوعية التسجيل وتقنيته، وظهرت إمكانية هائلة للتركيز على التفاصيل الدقيقة الرهيفة وابرازها. هذا بالطبع ينسحب على كل أنواع الموسيقى، بالخصوص الموسيقى الشعبية. على الدوام كتب الموسيقيون أغان وموسيقى مناسبة لنوعية الصوت التي توفرها الوحدة المعمارية التي يقدم فيها العمل. فالتأليف الموسيقي يتطور ويتكيف على الدوام مع المتغيرات الاجتماعية والتقنية / الهندسية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"سيرك" للشاعرة نور خليفة: دينامية اللغة وتمثلات العطب الوجودي

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد

هيباشيا

انتقائية باختين والثقافة الشعبية

مقالات ذات صلة

فوز الصيني جياكونجياكون بجائزة نوبل للعمارة (بريتسكر)
عام

فوز الصيني جياكونجياكون بجائزة نوبل للعمارة (بريتسكر)

نجاح الجبيلي تعد جائزة بريتسكر للهندسة المعمارية إحدى أرقى الجوائز العالمية وبمثابة نوبل للعمارة. وهي جائزة عالمية تمنح سنوياً تقديراً "لمعماري أو مجموعة من المعماريين الأحياء الذين تُظهر أعمالهم المُنجزة مزيجاً من الموهبة والرؤية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram